الشرع في متاهته.. المزيد من التعاون من أجل سوريا
سامح المحاريق
الخلفية العقائدية التي حملت الرئيس السوري أحمد الشرع إلى دمشق هي أبعد ما تكون عن الرؤى التي تبناها الأردن على مستوى القيادة والشعب، ومع ذلك، فالأردن يقدم دعمًا كبيرًا لدمشق وحكومتها في وسط المشكلات الكبيرة التي تواجهها.
في الرياض، تظهر نفس المفارقة، فالأمير محمد بن سلمان أطلق نهجًا جديدًا لاحتواء وتفكيك الفكر المتطرف، ومع ذلك، مارس ضغوطات كثيرة لتمرير رفع العقوبات عن دمشق أثناء زيارة الرئيس الأمريكي.
عمان والرياض، انخرطتا سابقًا في محاولة لتعويم النظام السوري السابق، ولم يكن ذلك يعني وجود القواسم المشتركة معه.
الخلاصة، إن الشاغل الأساسي في هذه المرحلة هو وحدة سوريا وبقاؤها بالصورة التي نعرفها، وهي الوحيدة والواقعية لمصلحة السوريين ولمجمل المنطقة العربية.
في المقابل، تمكنت اسرائيل من تحييد محور المقاومة في سوريا ولبنان، وتوسعت في مطامعها لاستغلال فترة ارتباك أخلاقي وقيمي على المستوى العالمي تجاه ترجمة الرغبة في تعزيز أسطورة أمن اسرائيل ضمن محاولة استنفاد آثار السابع من أكتوبر حتى أقصى آفاقها.
الوضع المعقد في سوريا هو محصلة تفاعلات كثيرة استمرت لسنوات بتداخلات روسية وإيرانية وتركية وعربية، مع وجود للأمريكيين وحلفائهم، ومتابعة من إسرائيل التي يبدو أنها امتلكت شبكة مماثلة لما تكشف بعد ذلك في طهران.
في وسط ذلك، يبدو وجود رئيس يمتلك الخبرة التكتيكية اللازمة لما عايشه من صراعات ميدانية بين تنظيمات وفصائل تعمل وسط بيئة معقدة، وتتوازى مصالحها في بعض المراحل وتتقاطع في أخرى، تقاطعات تمكن خلالها من الخروج بوصفه الطرف الأكثر صبرًا وقدرة على المناورة، ولكن ما تواجهه سوريا اليوم ينصب في أسئلة استراتيجية ربما ليس الرئيس الشرع هو الشخص المؤهل من خلال تركيبته الفكرية والثقافية وخبرته للإجابة عنها.
يفتقد النظام الحالي في دمشق للخبرة حيث أنه بعيد عن تجربة الإدارة والتسيير إلا في مرحلة إدلب التي تمت برعاية تركية، ولا تخفي ذلك تصرفات الرئيس الشرع وتحركاته، وخاصة في عمان والرياض والدوحة، ولكن يبدو أن الرئيس الشرع لا يكشف أوراقه الكاملة والمشكلة الداخلية التي يواجهها.
تطلع السوريون لإصلاحات جذرية عندما خرجوا إلى الشوارع في 2011، وأتت ردة فعل النظام لتجعل الغاية هي إزاحة النظام نفسه، وبالتوازي مع ذلك، كانت التنظيمات الجهادية في العراق تجد في سوريا فضاءً لتوسعها، ومعها التنظيمات التي عملت في أفغانستان سابقًا.
السوريون البسطاء دفعوا الثمن في الحرب الأهلية، إلا أن الفعل الميداني كان في جزء منه في حيز الجماعات الجهادية، وهي غير مقتنعة وغير واعية بمتطلبات سوريا الدولة، وبالتأكيد توجد ضغوطات على الرئيس الشرع من هذه الفئات التي قاتلت تحت راية طموحاتها بتأسيس دولة إسلامية تشبه ما تقدمه حركة طالبان في أفغانستان.
يدرك الرئيس الشرع هذه الحالة أكثر من غيره، وربما بصورة أو بأخرى ليس في وسعه أن يفعل شيئًا أمام ما تقتضيه حركة التاريخ وطبيعة الصراع الذي ليس جديدًا في أي بلد تخرج من حرب أهلية وثورة تحمل أزمات كثيرة لم يتم حلها ولا توجد إجابات حاضرة لها، والمختلف في الحالة السورية هو وجود المطامع الإسرائيلية التي تسعى لتحييد سوريا وتحويلها إلى مجرد كيان يدير الشأن السكاني، بينما التطلع لسوريا تؤدي دورها الاستراتيجي في المنطقة، وتسهم في أن تكون عاملًا فاعلًا في أمن المنطقة وصياغة مستقبلها.
يقصد الرئيس الشرع عمان بذاكرته القومية وما يفهمه من سوريا وتاريخها، ولكنه في الوقت نفسه، يعرف أن قبضات كثيرة على الطاولة لا تشاركه ذلك، وعليه أن يتفهم أن تقييم هذا الوضع ومأسسة ممارسة القوة المنضبطة في سوريا وهذه مسألة فنية عليه أن يتحدث فيها.
هذه القوة وحدها هي التي ستجعل خطابه التصالحي الذي يسعى لطمأنة الأقليات والتأكيد على وحدة الدولة في سوريا قابلًا للترجمة الفعلية على الأرض.
كانت مشكلة عمان مع النظام السابق في المرحلة التي بدأت تظهر أمامها التهديدات الفعلية بخصوص سوريا تكمن في عدم توفر الشفافية الكافية، وهي متوفرة في حالة النظام الحالي، ولكنها ليست كاملة.
الأردن شريك في صياغة مستقبل سوريا بحكم الجغرافيا والتاريخ والمسؤولية الوطنية والقومية، وما يتطلع له الأردن ليس دور تجاري أو اقتصادي مستقبلي وحسب، فالوقت غير مناسب لهذه التفاصيل، وما يمكن أن تقدمه عمان على مستوى دعم المؤسسات في سوريا متسع وعميق، والمطلوب توسعة مدى الرؤية لتكون النصيحة دقيقة وكاملة ومتماشية مع الرؤية التي تحتاجها الدولة بشكل عام، وسوريا في سياقاتها العملية بشكل خاص.
( الرأي)