المصري تكتب : بالتزكية من يريد إضعاف من في مجلس النواب الأردني !

3

المصري تكتب : بالتزكية ! من يريد إضعاف من في مجلس النواب الأردني

691783b032873.webp

ما حدث في مجلس النواب الأردني خلال الجلسة الأولى من الدورة العادية الجديدة لم يكن حادثة إجرائية أو خللاً في التنسيق بين الكتل، بل كان تجلياً سياسياً عميقاً لصراع صامت حول تعريف التوافق الوطني، ومن يملك حق هندسته داخل قبة البرلمان.

فالمشهد الذي بدا في ظاهره تنافساً على مقاعد اللجان، كان في جوهره إعلاناً مبكّراً عن معركة النفوذ بين اتجاهين داخل النظام السياسي، أحدهما يريد أن يُبقي المشاركة الحزبية تحت سقفٍ مضبوط، والآخر يسعى إلى كسر هذا السقف دون أن يخرج من المؤسسة.

منذ اللحظة التي قرر فيها أي نائبٌ أن يرشّح نفسه مخالفاً اتفاق التزكية، تهاوت الفكرة التي بُنيت عليها الجلسة، أن كل شيء يمكن ترتيبه مسبقاً تحت عنوان التنسيق. لكنّ السؤال الذي فُتح بعد ذلك أكبر من الإجراء نفسه فمن يحدد قواعد اللعبة الحزبية الجديدة؟ ومن يُسمح له بأن يكون لاعباً فعلياً فيها؟.

من جانب آخر، السلطة الرسمية، على ما يبدو، لا تريد إقصاء أحدٍ بالكامل، لكنها أيضاً لا تريد شريكاً يصعب ضبطه. ففي عقل الدولة اليوم معادلة دقيقة (نُريد تعددية، لكننا لا نُريد منافسة).

وهذا ما يجعلها حذرة من أي تيار يملك قاعدة اجتماعية حقيقية أو خطاباً يتجاوز اللغة البيروقراطية المعتادة.

أما الطرف الآخر بدوره ، فقد أدرك أن الرسالة واضحة، المشاركة مرحّب بها ما دامت شكلية، والإعتراض مقبول ما دام هادئاً. ولأن الحضور الرمزي لم يعد يُقنع جمهوره، قرر أن ينقل معركته من صفحات الجدل إلى قلب المؤسسة التشريعية (البرلمان)، في خطوة سياسية ذكية تنقل المواجهة من مستوى الخطاب إلى مستوى الإجراء.

اللجان النيابية ليست تفصيلاً إدارياً. بل هي المطبخ الحقيقي الذي تُطبخ فيه القوانين وتُراقب منه السياسات.ومن يملك موقعاً مؤثراً في اللجنة القانونية أو المالية، يملك قدرة على صياغة القانون تحت غطاء العمل المؤسسي.ولذلك فإن التنافس عليها لم يكن صراعاً على مقعد، بل على موقع في الوعي السياسي.

في المقابل، يبدو أن العقل الرسمي ما زال يدير فكرة أن ضبط البرلمان ضرورة لضبط الشارع، وأن فتح المجال أمام أصوات غير مضمونة قد يُربك توازن النظام الداخلي.

لكن ما جرى مؤخراً أظهر أن هذا النمط من الإدارة الآمنة للمشهد لم يعد مضمون النتائج. فكل محاولة لشدّ الخيوط بإحكام تولّد ردة فعل مضادة تُعيد توزيع الأوراق بطرق غير متوقعة.

اللافت أن كل ما دار في الأسابيع الماضية من مقالات وتحليلات وتسريبات حول مستقبل المشاركة الحزبية كان بمثابة بالونات اختبارٍ سياسية. رسائل أرادت أن تُقنع البعض بأن هامش اللعبة ضيّق، وأن الصمت هو الخيار الآمن.

لكن الرد جاء عملياً من داخل البرلمان، في لحظةٍ رمزية قلبت المعادلة وأحرجت الوسط السياسي كله.

بهذا المعنى، تحوّلت أزمة اللجان إلى ما يشبه استفتاءً غير معلن على جدوى مشروع التحديث السياسي نفسه.

فهل المطلوب أحزابٌ تُكمل صورة الدولة، أم أحزابٌ تساهم في صياغة القرار؟

وهل البرلمان فضاء للحوار أم غرفة صدى تُعيد تكرار الموقف الرسمي بصوتٍ مختلف؟

المراقب لما جرى يلحظ أن التوتر لم يكن بين النواب فحسب، بل لنقل بين فلسفتين،

فلسفة تعتبر أن النظام السياسي قادر على التجدد من داخله، شرط أن يظل ممسوكاً بخيوط دقيقة ، وفلسفة أخرى ترى أن أي تحديث لا يمر عبر اختبارٍ حقيقي للسلطة التشريعية سيبقى تجميلاً فوق سطحٍ هشّ.

الأزمة، إذاً، لم تكن على أسماء اللجان ولا على مقاعدها، بل على من يحتكر حق الكلام بإسم الدولة، ومن يُمنح حق الكلام بإسم الناس(الشعب).وما بين هذين الصوتين يتشكل الخط الرفيع الذي يفصل بين المشاركة السياسية وبين التمثيل الشكلي.

سيُقال لاحقاً إن الأمور عادت إلى نصابها، وإن التزكية أعادت الهدوء.

لكن الحقيقة أن ما انكسر هذه المرة لم يكن اتفاقاً نيابياً، بل هالة السيطرة الكاملة التي كانت تحيط بالمشهد البرلماني منذ سنوات.

الأردن اليوم أمام لحظة اختبارٍ حقيقية.فإما أن يُستكمل مشروع التحديث السياسي بجرأة تفتح الباب أمام مشاركة حقيقية، أو أن يبقى المشروع محكوماً بعقلية إدارة الشكل لا المضمون.

و البرلمان ليس مجرد مرآة للدولة، بل أحد أركانها، فإذا تعمّد أن يرى نفسه بعينٍ واحدة، فلن ينجح في قراءة المستقبل.

في النهاية، قد تُعاد صياغة اللجان بعيداً عن الأضواء، لكن الرسالة وصلت،

السياسة الأردنية لا يمكن أن تُدار إلى الأبد بأدوات الأمس، ولا يمكن لأي طرف أن يحتكر معنى التوافق الوطني.

تحت عنوان ( التزكية ) فالشعب لم يعد يقرأ النصوص فقط، بل ما يُقال خلفها.(خبرني)

قد يعجبك ايضا