زيت الزيتون أزمة مفتوحة

8

زيت الزيتون أزمة مفتوحة

أحمد حمد الحسبان

كان واضحا منذ البداية أن موسم الزيتون الحالي يعاني من إشكالية إضافية لا علاقةللبشر بها. فإضافة إلى عمليات الغش المتكررة كل موسم وما تتركه من أثر نفسيومادي سلبي على المنتجين والمستهلكين، عانى القطاع هذا العام من إشكالية جديدةتمثلت بتدني مستوى الموسم المطري الماضي وبلوغه حد الجفاف الذي أصابالأشجار وأدى لتراجع مستوى الإنتاج إلى حدود الربع عما كان عليه في المواسمالسابقة. وحوّل البعض من مزارع الزيتون إلى أخشاب جافة، وأصاب الكثير منها ببعضأمراض» التسوس»، ما اضطر البعض من المزارعين إلى تحطيبها. كما عانى القطاع منمحاولات بعض أطراف العملية الإنتاجية لزيت الزيتون تعظيم حصتها، في استغلالالظرف وجني المزيد من الأرباح.

فبدلا من الاعتراف بأن شح الموسم وتدني مستوى الإنتاج يفرض واقعا جديدا لا بد منالتعامل معه، بما يعوض المزارع عن خسائره، ويحفظ حق المستهلك في الحصول علىمادة زيت الزيتون التي تصنف ضمن المواد الأساسية، ويوزع أعباء الجفاف على كافةأطراف المعادلة عظمت أطراف عديدة مصالحها، وقللت أطراف أخرى من حدةالمشكلة، وتنكرت للواقع ولكافة الحلول الواجب اتخاذها في مثل هذا الظرف لتجاوزهبأقل الخسائر .

أبرز المواقف اللافتة تشبّث أصحاب المعاصر بأن يكون سعر تنكة زيت الزيتون البكر120 دينارا والإصرار على اعتباره سعرا عادلا. الأمر الذي رفضه المنتجون، ورحب بهالمستهلكون وباركته الحكومة، ليتبين لاحقا أن أصحاب المعاصر هم الوحيدون الذينيمتلكون الآلية لتطبيق تلك التسعيرة، من خلال شراء الفائض لدى المزارعين بعدالانتهاء من عملية العصر، والحصول على كميات من الزيت بدل أجرة العصر»الرد».  وهم الوحيدون الذين يستفيدون منها.

وبالفعل، نجحت معاصر في شراء كميات من الزيت بأسعار لا تتجاوز السعر الذياقترحته وأقنعت الوزارة بعدالته» 120 دينارا للتنكة»،  لكنها رفضت بيع أي من تلكالكميات للمستهلكين أملا بتخزينها وتأجيل عملية البيع إلى ما بعد انتهاء عملية العصرلوضع السعر الذي يناسبها بعيدا عن عمليات العرض والطلب التي تنادي الأطرافالتجارية بتطبيقها عندما يتعلق الأمر بمصلحتها. بينما يرفضونها عندما يتعلق الأمربمصلحة المزارع الذي يعاني من أسوأ كارثة أصابته هذا العام.   

اللافت هنا أن الحالة الجدلية أخذت مداها رغم علم كافة الأطراف بشح الموسمالإنتاجي لزيت الزيتون. فقد كان واضحا منذ ما قبل بدء موسم القطاف أن الإنتاجسيكون شحيحا ومخالفا لغالبية مواسم الفرح السابقة، حيث وصل الإنتاج السنوي منزيت الزيتون البلدي إلى ما بين 25 الى 40 ألف طن كانت كافية للاستهلاك المحليوتصدير الفائض بكميات تزيد على عشرة آلاف طن إلى أسواق تعشق الزيت الأردنيوتنتظر موسمه كل عام للحصول على احتياجاتها وتنعم بطعمه المميز.

الآن، ونحن ما نزال في بدايات الموسم، تشير التقديرات الرسمية إلى أن احتياجاتالسوق المحلي من زيت الزيتون تصل إلى 25 ألف طن، قد تتراجع بنسبة ليست قليلةبسبب القرار الحكومي المدروس الذي سمح بإدخال زيت الزيتون من الضفة الغربيةبواقع خمس تنكات لكل قادم من هناك، بدلا من تنكة واحدة في المواسم السابقة.

غير أن المشكلة التي حدت من فاعلية ذلك القرار في توفير كميات من الزيت تقلل منالطلب وتزيد العرض، أن موسم الإنتاج في فلسطين المحتلة كان متواضعا بسبب شحالأمطار أولا، والممارسات الإسرائيلية المتمثلة بإطلاق أيادي المستوطنين للعبثبموسم الزيتون في الأراضي المحتلة والحد من قدرة المزارعين هناك من الوصول إلىحقولهم، وقيام المتطرفين الصهاينة بتدمير الكثير من الأشجار. الأمر الذي حد منفاعلية القرار الأردني.

الإجراء الآخر الذي تم هنا، والذي أراه مناسبا جدا للحالة الأردنية في هذا الملف، هوالسماح باستيراد زيت الزيتون من عدة دول مشهورة بجودة إنتاجها بهدف تغطيةاحتياجات السوق المحلية، وتوفير تلك السلعة الأساسية للمستهلك.

ومع أن تلك الجودة نسبية، ولا ترضي جميع أذواق من اعتادوا على استهلاك الزيتالأردني إلا أن تلك الخطوة كانت الحل الوحيد لتوفير تلك المادة التي لا يستغني عنها أيبيت، وبآلية تحمي المزارع وتحفظ حقه، وتحمي المستهلك ولو بشكل نسبي.

فالمطلوب هنا التنسيق بين وزارتي الزراعة التي سمحت ـ مرحليا ـ باستيراد كميات تقلعن حاجة السوق انتظارا لتكشف كميات الإنتاج المحلي، ووزارة الصناعة والتجارة التييفترض ألا تتأخر في وضع سقف سعري لتلك المادة المستوردة وإلزام التجار بذلكالسقف. وإبقاء المنتج الأردني خاضعا لعوامل السوق.

فاحتمالية التوافق بين أطراف المصالح التجارية الخاصة تبقى واردة، بما يؤدي إلىإخراج المنتج المحلي من السوق والتجاوز على حق المستهلك في الحصول على سلعةجيدة بسعر مناسب، وحصول التاجر على هامش ربحي مرتفع. وبعكس ذلك، قد تتحولسوق زيت الزيتون إلى نوع من الفوضى التي حاول البعض فرضها منذ ما قبل بدءالموسم الحالي.الغد

قد يعجبك ايضا