االتدويل وفق الرؤية الاميركية: ملامح المرحلة الجديدة
االتدويل وفق الرؤية الاميركية: ملامح المرحلة الجديدة
د.عامر سبايلة
الولايات المتحدة التي ترسم مساراً واضحاً للحل في المنطقة، تضع الجميع أمام استحقاق واحد: التماهي مع الرؤية الأميركية، التي تجعل مسألة نزع سلاح الفصائل والمليشيات شرطاً أساسياً، وفتح آفاق السلام عبر بوابة الاتفاقيات الإبراهيمية.
الحقيقة أنه منذ وقف إطلاق النار في غزة، الذي صيغ وفقاً لرؤية الرئيس ترامب، والمنطقة تشهد تكيفاً تدريجياً مع الرؤية الأميركية، وهو ما يمكن توصيفه بأنه أدخل المنطقة في مرحلة “التدويل وفقاً للرؤية الأميركية”.
ومع دفع الرئيس ترامب باتجاه الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق في غزة، عاد ملف لبنان ليتصدر واجهة التصعيد الإقليمي، وتحولت مسألة نزع سلاح حزب الله إلى معضلة لبنانية داخلية يصعب تجاوزها داخلياً. فهذا الضغط الأميركي المتزايد يضع الأمور على حافة الانفجار الداخلي، ويجعل جبهة لبنان قابلة للاشتعال مجدداً، لكن هذه المرة بغطاء أميركي مباشر وشبه قبول دولي. فمسألة نزع سلاح الحزب لا يمكن أن تمر بسهولة، بالرغم من المعطيات التي تجعلها أقرب إلى مسألة وقت من حيث النتيجة، إلا أنها بلا شك معضلة كبيرة في كيفية التنفيذ.
وفقاً لهذه السياسة الضاغطة، فإن المقارنة بين سورية ولبنان تُظهر تجاوباً سورياً مقابل تأخر لبناني، ما يزيد من حجم الضغط الأميركي على بيروت. ففي المشهد السوري هناك تكيف أكبر وأسرع مع الرؤية الأميركية، خصوصاً عبر تقديم خطوات عملية ترضي واشنطن، قد يكون أهمها زيارة الشرع إلى البيت الأبيض، وتثبيت الوجود العسكري الأميركي في دمشق كقاعدة عسكرية مباشرة، وانضمام الشرع إلى التحالف الدولي ضد داعش، والدور المتوقع أن يقدمه في هذا الإطار، والذي قد لا يقتصر على مواجهة التنظيم، بل أيضاً في مسار السلام مع إسرائيل، والانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية.
وفي الوقت الذي يستعد فيه الرئيس الأميركي للإعلان عن القوة الدولية في غزة، والتأكيد على أن خطته للسلام مستمرة في رسم المشهد القادم للسلام الإقليمي، يبقي ترامب خيار التصعيد مفتوحاً على جبهات أخرى، سواء عبر التلويح بتدخل إسرائيلي محتمل في لبنان، أو عبر تدخل مباشر في الملف العراقي. ما يعني أن الأسابيع المقبلة قد تشهد تصعيداً بغطاء أميركي يبدأ من لبنان وينتهي في إيران.
الحقيقة أن الخيارات أمام حزب الله تضيق بشكل واضح، فالحزب الذي تحول خلال السنوات الأخيرة إلى لاعب إقليمي يتحرك في جغرافيات متعددة، يجد نفسه اليوم مضطراً إلى العودة إلى الداخل اللبناني والتعامل مع أولويات محلية، وهو انتقال يتوافق مع الطرح الأميركي: “من الأجندات الإقليمية إلى الأولويات الوطنية.”
أما إيران، فهي تجد نفسها مضطرة لتوظيف الساحة اللبنانية في اتجاهين: تخفيف الضغط عن نفسها عبر التلويح بدعم الحزب في أي مواجهة مقبلة أو إبراز قدرة الحزب على ضرب إسرائيل، أو إعادة ترسيخ موقعها في الإقليم كلاعب أساسي قادر على إدارة مشهد التصعيد ضمن سياستها الحالية التي يمكن توصيفها بسياسة “التفاوض على التفاوض”.
لكن مسألة قدرات الحزب وإعادة بنائها وترميم ترسانته أصبحت اليوم المحرك الأساسي لإسرائيل في العودة لاستهداف لبنان، بشكل أوسع بكثير من عمليات الاغتيال واستهداف مخازن السلاح. بل باتت إسرائيل تعمل على توسيع جغرافيا الاستهداف وطبيعة الأهداف، لمنع تشكل أي تهديد مستقبلي من الجبهة اللبنانية. لذلك فإن ازدياد الحديث عن نقل صواريخ إلى لبنان عبر سورية سيُبقي إسرائيل في حالة تحرك مستمر داخل الأراضي اللبنانية، وقد يعيد مسألة الحدود السورية اللبنانية إلى الواجهة، خصوصاً مع زيارة الشرع إلى واشنطن، والمهام الجديدة التي سيفرضها الوجود العسكري الأميركي في دمشق، والدور المتوقع من الشرع في ضبط الحدود ومنع تهريب السلاح عبرها. الغد