موازنة 2026: بين الاستقرار المالي والتحفيز الاقتصادي

7

موازنة 2026: بين الاستقرار المالي والتحفيز الاقتصادي

د. رعد التل

تفترض موازنة 2026 ارتفاع النمو      

الاقتصادي الحقيقي من 2.7% في 2025 إلى 2.9% في 2026، مستندة إلى بدء تنفيذمشاريع رأسمالية كبرى مثل الناقل الوطني لتحلية المياه ومشاريع السكك الحديديةوالغاز، والتي يُعوّل عليها لتعزيز النشاط الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة. ومعذلك، من الصعب توقع استمرار معدل التضخم عند 2% خلال السنوات الثلاث المقبلة،خاصة في ظل التقلبات الإقليمية والدولية، وكان من الأفضل الاعتماد على تقدير أكثرواقعية لمعدل التضخم.

على صعيد الإنفاق، يبلغ إجمالي الإنفاق العام نحو 13.056 مليار دينار، منها 11.456 مليار دينار نفقات جارية و1.6 مليار دينار نفقات رأسمالية. وتمثل النفقات الجارية نحو87.7% من الإجمالي، مقابل 12.3% للإنفاق الرأسمالي، ما يوضح استمرار الطابعالتشغيلي للموازنة وضعف الحيز المتاح لتحفيز النمو من خلال الإنفاق التنموي، وهو مايبرز أهمية دور القطاع الخاص والاستثمار الخارجي.

تُقدّر الإيرادات المحلية في موازنة 2026 بنحو 10.196 مليار دينار، أي أنها تغطي حوالي89% من النفقات الجارية، وهو تحسن عن العام الماضي (86%). ومع ذلك، لا يزالهذا يشير إلى استمرار الاعتماد على الاقتراض والمنح لتغطية الفجوة في النفقاتالتشغيلية، مما يبرز أهمية أن يكون الإنفاق الجاري مقتصرًا على ما هو مرصود فيالموازنة، وأن يقتصر الاقتراض على تمويل المشاريع. ويُقدّر العجز الكلي بنحو 2.125 مليار دينار (4.6% من الناتج المحلي الإجمالي) مقارنة بـ 2.258 مليار دينار (5.2%) في2025، وهو تحسن نسبي لكنه لا يزال مرتفعًا.

تعتمد الإيرادات المحلية لموازنة 2026 بشكل رئيسي على الإيرادات الضريبية التي تبلغ7.656 مليار دينار، أي نحو 75% من الإجمالي، مقابل 2.54 مليار دينار غير ضريبية(25%). ومن بين الإيرادات الضريبية، تشكل الضرائب على السلع والخدمات 5.176 مليار دينار (68%) مقابل 1.926 مليار دينار للضرائب على الدخل والأرباح (25%صحيح أن هناك ارتفاع طفيف بنسبة الضرائب على الدخل كنسبة من الايراداتالضريبية، لكن يظهر جلياً بانه لا يزال هناك اعتماد كبير على الضرائب غير المباشرة،ويضع ذلك ضغطًا متزايداً على المستهلك ويحد من قدرة الحكومة على تمويل النفقاتالجارية والاستثمارية بشكل مستقل، ويبرز الحاجة إلى إصلاح ضريبي لتعزيز الإيراداتالمباشرة.

تشكل مدفوعات خدمة الدين نحو 2.26 مليار دينار، أي 17.3% من إجمالي الإنفاقالعام، وهو عبء كبير يحد من قدرة الحكومة على زيادة الإنفاق الرأسمالي، ما يبرزالحاجة إلى تخفيف كلفة الدين كأولوية مالية. بالمقابل خصصت الموازنة 655 مليوندينار للدعم الاجتماعي، تشمل الحماية الاجتماعية، دعم الخبز والأعلاف، دعم أسطوانةالغاز، وتأمين علاج السرطان، وهو جزء مهم من شبكة الأمان الاجتماعي لكنه يزيدالضغط على الموارد المالية.

في المقابل، ارتفعت النفقات الرأسمالية إلى 1.6 مليار دينار مقارنة بـ 1.37 مليار دينارفي إعادة تقدير 2025. وشملت مخصصات مهمة مثل 396 مليون دينار لمشاريع رؤيةالتحديث الاقتصادي، 60 مليونًا لمشروع الناقل الوطني للمياه، 35 مليونًا للتنقيب عنغاز الريشة، و210 ملايين دينار لدعم البلديات بعد رفعها من 180 مليونًا. هذهالمخصصات تمثل محاولة لتوجيه الإنفاق نحو المشاريع التنموية ذات الأثر الاقتصاديالمباشر، وهو مما لا يدعو للشك توجه صحيح، لكن مع استقرار القناعة بأنه رقم غيركافي لإحداث التحفيز الاقتصادي المنشود!

تعكس موازنة التمويل اعتمادًا كبيرًا على الاقتراض، حيث تبلغ القروض الداخلية 5.543 مليار دينار، وإجمالي مصادر التمويل لتسديد العجز والدين والمتأخرات نحو 9.811 مليار دينار. الجزء الأكبر من التمويل يذهب لتغطية النفقات الجارية وتسديد الديونالسابقة، بينما يظل التمويل الخارجي المخصص للاستثمار محدودًا، مما يعكساستمرار الاعتماد على الدين ويحد من قدرة الدولة على توجيه الموارد نحو الاستثمارالإنتاجي وتعزيز الاعتماد المالي على الذات.

إن تحليل هيكل الموازنة يُظهر استمرار التحدي المتمثل في ضعف الاعتماد على الذات. فالفجوة بين الإيرادات المحلية والنفقات الجارية تعني أننا لم نصل بعد إلى نقطةالاكتفاء المالي الذاتي. كما أن ارتفاع نسبة النفقات الجارية، وعبء خدمة الدين،وتراجع الحصة الاستثمارية من الإنفاق العام، تحدّ جميعها من قدرة المالية العامة علىدعم التحول نحو اقتصاد منتج ومستدام.

مع ذلك، تظل موازنة 2026، ضمن سياقاتها الاقتصادية والمحددات الحالية، موازنةانضباط مالي أكثر منها أداة تحول اقتصادي، وهو أمر ضروري للحفاظ على الاستقرارالمالي. فهي تحاول الحد من العجز ضمن هوامش ضيقة، مع الحفاظ على شبكة الدعمالاجتماعي ودعم الإنفاق الرأسمالي وهو توازن صعب التحقيق. ورغم ذلك، لم يتم بعدالوصول إلى التوازن المطلوب بين الإيرادات المحلية والإنفاق الجاري، وهو التوازنالأساسي لتحقيق مفهوم الاعتماد على الذات المالي الذي يجب أن تسعى الدولة إلىترسيخه على المدى المتوسط

قد يعجبك ايضا