كيف بنت «حماس» ترسانة أنفاقها في غزة؟
كيف بنت «حماس» ترسانة أنفاقها في غزة؟
صمدت خلال حرب إسرائيل طوال سنتين
العقبة الإخباري-باتت أنفاق «حماس» في قطاع غزة تتصدر مشهد صورة اتفاق وقفإطلاق النار، في ظل العديد من العقبات التي تواجهه، سواء فيما يتعلق بقضية عناصر«كتائب القسام» الجناح المسلح للحركة المتواجدين في أنفاق رفح، أو في إصرارإسرائيل على تدميرها بالكامل.
وما فاجأ الكثيرين من المتابعين والمراقبين هي التصريحات التي أطلقها منذ نحوأسبوعين وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الذي قال خلال حديث مع نائبالرئيس الأميركي جي دي فانس، إن 60 في المائة من أنفاق «حماس» لم تُدمَّر بعد،وإن هدمها أهم نقطة مشتركة من أجل تنفيذها. وهو أمر قد يكون صحيحاً نظراًلانتشال جثامين مختطفين إسرائيليين من بعض الأنفاق المتبقية رغم تدميرها الذييبدو جزئياً وليس كاملاً.
وعاد كاتس للتغريد، الجمعة، عبر منصة «إكس»، بالقول: «أصدرت تعليماتي لجيشالدفاع الإسرائيلي بتدمير جميع الأنفاق. إذا لم تكن هناك أنفاق، فلن يكون هناك(حماس)».
وخاضت إسرائيل حرباً شرسة استمرت عامين، الأمر الذي بات يفرض سؤالاً عن الدورالذي كان يقوم به الجيش الإسرائيلي طوال تلك الفترة، ما دام هناك مثل هذه القدراتمن الأنفاق، وكيف نجحت «حماس» في بناء هذه الترسانة التي باتت تقلق إسرائيلأكثر.
بدايات الأنفاق
كثيرون يعتقدون أن فكرة الأنفاق ولدت عام 2006 من خلال عملية «الوهم المتبدد» كما أطلقت عليها «كتائب القسام» وأجنحة عسكرية أخرى شاركت في تلك العملية،التي أدت لمقتل وإصابة عدد من الجنود الإسرائيليين، وخطف الجندي جلعاد شاليط،لكن فكرتها ولدت قبل ذلك بسنوات، وتحديداً بعد عام واحد من اندلاع «انتفاضةالأقصى» الثانية، التي بدأت في الثامن والعشرين من سبتمبر (أيلول) عام 2000، فيمانفذت العملية الأولى حينها في السادس والعشرين من الشهر نفسه في عام 2001،بتفجير نفق بعبوات ناسفة كبيرة الحجم، في موقع «ترميد» العسكري في رفح، منخلال نفق زاد طوله على 150 متراً، ما أدى لمقتل وإصابة العديد من الجنودالإسرائيليين.
شكلت تلك العملية بدايةً لمعركة مختلفة ما بين «حماس» وإسرائيل، وتوسعتالحركة في فكرتها وتطويرها على مدار سنوات، خاصةً بعد حكمها لقطاع غزةوسيطرتها عليه في عام 2007، حتى باتت تشكّل مصدر قلق لإسرائيل من جانب، ومنجانب آخر تعتبرها الحركة الفلسطينية إنجازاً كبيراً لها يعتد به في معاركها التي تخوضهاضد الإسرائيليين، ونجحت فعلياً باستخدامها في العديد من العمليات المؤثرة التيتسببت في مقتل وإصابة العديد منهم.
وشكّل هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 مفاجأةً بالنسبة لإسرائيل التيكانت تعتقد أنها أصبحت أكثر أماناً بعدما قضت على إمكانية أن تسمح لعناصر«حماس» باختراق الحدود من تحتها في أعقاب بناء عائق أمني متطور يكشف عن أيأنفاق هجومية، كلفها أكثر من 50 مليون دولار، واستمر بناؤه سنوات وانتهى العمل منهنهاية عام 2021، لكن الحركة الفلسطينية كانت أذكى، وفعلياً لم تستعمل الأنفاق فيهجومها، واكتفت بتنفيذه من فوق الأرض بتفجير العائق الجديد بكميات منالمتفجرات، إلى جانب استخدام المظلات في عملية التسلل.
بناء الأنفاق
ترى مصادر متطابقة من «حماس» أن فكرة بناء الأنفاق وتطويرها يعود فيها الفضلللقيادي في «كتائب القسام» محمد السنوار، الذي كان يتابع هذا الملف باهتمام فيبداياته حتى أصبح متطوراً، وباتت الأنفاق موجودة في كل أنحاء قطاع غزة وليس فيرفح أو خان يونس التي كان السنوار مسؤولاً عنها لسنوات عدة.
وتطورت الأنفاق من محدودة وصغيرة إلى كبيرة ومتفرعة في أكثر من منطقة، ومنها مابات يطلق عليها «الهجومية»، وأخرى «الدفاعية»، وثالثة «اللوجيستية» أو التحكموالسيطرة والقيادة.
تقول المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن مَن أشرف على عملية البناء والتطوير بهذاالشكل «المدهش»، وفق وصفها، ليسوا مهندسين محترفين، إنما هم في غالبيتهمعمال وفنيون يمتلكون المهارات أكثر من المهندسين، واستطاعوا بناء أنفاق مختلفةوبأحجام ونوعيات وخرسانة مختلفة، وبتفرعات وعمق وطول البعض لا يتخيلها، كما تمصناعة أنفاق لعمق كبير تم أسفلها وضع مصنعيات لصناعة الصواريخ والمتفجراتوغيرها.
وتوضح المصادر أن أولئك الفنيين الذين يُطلَق عليهم لقب «المهندسين» بين عناصر«القسام»، كانوا يشرفون على تحديد أماكن التربة ونقاط الضعف والقوة في أرضيةالأماكن التي يجب حفر الأنفاق فيها، ويحددون مساراتها، وهم يتولون أولى خطواتالحفر، ثم يتابعون العمل عن بعد.
وبيّنت أنه كان يتم تخصيص أماكن لصناعة الخرسانة الخاصة ببناء الأنفاق، ويتمتجهيزها أيضاً من فنيين، يضعون كميات وافية وكافية من الأسمنت لصنع تلكالخرسانات لتكون قوية وتستطيع تجاوز أي مشاكل هندسية أو فنية، وبما يسمحباستخدام تلك الأنفاق بسهولة بما لا يشكل خطراً على المقاومين.
عمليات الحفر
وبينت أن كل مجموعة كانت تتولى الحفر تتكون من 8 إلى 10 مسلحين من عناصر«القسام»، ويتمثّل عملهم في حفر ونقل وإخراج «الرمل» من عمق النفق، ومن ثمإجراء عملية «التبليط» باستخدام الخرسانة أو غيرها من المواد المتوفرة، وتعمل يومياً3 مجموعات تتناوب على العمل في النفق المخصص لها.
وأوضحت أن هناك أنفاقاً مركزية لصالح الألوية (مثل لواء غزة، خان يونس، الشمال)وغيرها، وهناك أنفاق تتبع لكل كتيبة داخل اللواء، وهناك أنفاق مخصصة لتخصصاتعسكرية مختلفة، حيث يعمل نحو 100 عنصر في حفر الأنفاق المركزية التابعة لكللواء.
وتختلف أنفاق الألوية عن أنفاق كل كتيبة أو سرية، حيث إن أنفاق الألوية مخصصةللقيادة والسيطرة والحماية أو لتخصصات معينة، ويتم وصلها في أنفاق بعض الكتائبلتكون ضمن عمل محدد لها.
ألوية وكتائب وسرايا
وتمتلك «كتائب القسام» منظومة عسكرية متكاملة إدارياً وتنظيمياً، تتشكل من 5 ألوية هي: لواء الشمال، ولواء غزة، والوسطى، وخان يونس، ورفح، وفي كل لواء كتائبعدة تتشكل من سرايا وفصائل وتشكيلات عسكرية، وتضم آلاف المقاتلين الذينيتدربون على أيدي مدربين بعضهم تلقى تدريبات عسكرية خارج القطاع، مثل لبنانوإيران ومن قبل في سوريا قبيل تدهور العلاقات بين الجانبين في أعقاب الأحداثالداخلية التي شهدتها البلاد بدءاً من عام 2011.
ويضم كل لواء هيئة لـ«القضاء العسكري»، وركن تصنيع، وهيئة رقابة، وركن أسلحةالدعم والقتال، وركن عمليات، وركن استخبارات، وركن الجبهة الداخلية، وركن القوىالبشرية، وهيئة المعاهد والكليات.
ويقدر أن كل كتيبة كانت تعمد لتكليف 50 إلى 70 عنصراً منها للعمل في حفر الأنفاقالدفاعية، حيث كل كتيبة تمتلك عدة سرايا، وكل سرية لها خططها الدفاعية الخاصة.
ويشرف مسؤول العمليات في كل كتيبة على متابعة عمليات الحفر وتجهيز الأنفاق.
وقبيل الحرب، كان لدى «كتائب القسام» 24 كتيبة، منها 6 كتائب في الشمال، ومثلهافي غزة، و4 في الوسطى، و4 في خان يونس، ومثلها في رفح، وتضم كل كتيبة، وفقالمساحة الجغرافية للمناطق، ما بين 600 مقاتل حداً أدنى، و1200 حداً أقصى، وتضمكل كتيبة من 4 إلى 6 سرايا، وكل سرية تضم 3 أو 4 فصائل، وفق التوزيع الجغرافي،ويتكون الفصيل من 3 أو 5 تشكيلات، وكل تشكيل يضم ما بين 2 و3 عقد أو ما يسمىبـ«زمر»، ويضم كل فصيل نحو 50 فرداً، يضاف إليهم عدد آخر يعملون في مجالالتخصصات المختلفة.
في حين كان يخصص جهد آخر للأنفاق الهجومية، ويشارك 40 عنصراً على مستوىاللواء، في عملية حفرها من دون أعداد الفنيين والمتخصصين الذين يتابعون العملويشرفون عليه باستمرار، حيث كان لها الدور الأبرز في تنفيذ هجمات ضد أهدافإسرائيلية، خاصةً أن بعضها اجتاز الحدود كما جرى في عام 2014، عندما استخدمتها«كتائب القسام» في مهاجمة المستوطنات والبلدات الإسرائيلية آنذاك.
تقول المصادر إن عملية بناء الأنفاق وتجهيزها بكل هذه القدرات سواء المخصصةللدفاع أو الهجوم أو السيطرة والتحكم، كان يتم تجهيزها وفق عمل هندسي يمكنوصفه بـ«المحترف»، وباستخدام آلات هندسية ومولدات كهربائية وتوصيل المياهوالكهرباء، والقيام بأعمال الحدادة، والبناء، وكلها كانت على أيدي فنيين كان لهم دوربارز في صناعة هذه الأنفاق التي تؤرق إسرائيل حتى الآن، ولم تستطيع تدميرها بالكامل.
تضيف المصادر أن كثيراً ما كانت تواجه المقاومين في الميدان عقبات خلال عملياتبنائها وتجهيزها، وهناك كثير من الأرواح فُقدت خلال عمليات التجهيز والإعداد، وهناكمن أصيبوا بشلل أو بغيرها من الظروف الصحية نتيجة انهيارات في التربة أو أحداثغير متوقعة، كما كانت هناك تحديات أمنية ومحاولات إسرائيلية لتجنيد بعض العملاءسواء من المقاومين أو غيرهم لرصد أماكن الحفر وتخريبها بعد الانتهاء منها، ولكن لمتكن لدى مخابرات الاحتلال معلومات كافية عن ذلك.الشرق الأوسط