أولويات الاقتصاد الأردني: من الرؤية إلى التنفيذ

9

د. رعد محمود التل

لم يعد النمو هدفًا نظريًا أو رقمًا في التقارير الرسمية، بل أصبح معيارًا حقيقيًا لقدرةالدول على تحسين حياة مواطنيها، خاصة حينما يكون للنمو أثر تشغيلي يخلق الفرصويقلل من نسب الفقر. فجوهر السياسات الاقتصادية الناجحة لا يقوم فقط على تحقيقمعدلات نمو أعلى، بل على جعل هذا النمو شاملًا ومستدامًا ينعكس على مستوىالدخل وفرص العمل ونوعية الحياة. ومن هنا تبرز أهمية وضوح الأهداف لدى صانعالقرار، لأن غياب الرؤية الدقيقة يجعل السياسات تدور في حلقة من الإجراءات دون أثرحقيقي في الواقع.

ما نقصده أن تكون الأهداف محددة وواضحة أمام صانع السياسات العامة، وخاصةالسياسات الاقتصادية. فالتحديات لا تنتهي، والضغوط تتعدد من كل جانب. والسعينحو تحسين النمو الاقتصادي ليس هدفًا بحد ذاته، بل وسيلة لتحسين حياة الناس،وزيادة الإيرادات وتحسين قدرة الدولة على ضبط العجز في الموازنة وخفض الدينالعام وخدمته.

هذه الأهداف لا تحققها حكومة “تسيير أعمال”، بل حكومة “تغيير” تتخذ القرار بعددراسة وتأنٍ، تراعي المحددات قصيرة المدى وتتبنى نظرة استراتيجية طويلة المدى. وتبدأ هذه العملية بتحديد أولويات اقتصادية واضحة تتماشى مع الأثر المباشر علىالنمو والتشغيل. لذلك، يجب أن يكون معيار الكفاءة في التنفيذ هو الأساس في أيتقييم للأداء الحكومي. فالكفاءة في التنفيذ والمعالجة هي التحدي الأكبر في الأردن،وغالبًا ما تسبق المال نفسه كعقبة أمام الإنجاز.

الرئيس جعفر حسان يدرك هذه الحقيقة جيدًا. ومن خلال الزيارات الميدانية التيغطت نحو 50% من بلديات المملكة خلال العام الأول، يسعى لتقييم الواقع بشكلمباشر. كما يملك رؤية استراتيجية للاقتصاد الوطني بجوانبه المختلفة، ويعي أن العامالأول من عمر الحكومة كان عامًا تأسيسيًا لإصلاح ملفات متراكمة وخلل إداري وماليممتد. فقد ورثت حكومته عجزًا ماليًا متوارثًا، ودينًا عامًا مرتفعًا بخدمة دين بضعفحجم الإنفاق الرأسمالي تقريبًا، إضافة إلى متأخرات قاربت 1.7 مليار دينار تُرحّل دونسداد.

العام الثاني سيكون عامًا فارقًا للحكومة، إذ يركز الرئيس على المشاريع الاقتصادية ذاتالقيمة المضافة والبُعد التنموي المرتبط بالأمن الوطني. فهناك حزمة مشاريع كبرىبقيمة تقارب 10 مليارات دولار ستبدأ العام القادم، تتركز في ثلاثة محاور رئيسية:الطاقة، والمياه، والنقل. وهي المحاور التي يحتاجها الأردن لبناء اقتصاد قوي ومنيع،ينعكس على جودة حياة المواطنين ويقلل من كلف الإنتاج.

ومن أبرز هذه المشاريع: مشروع الناقل الوطني للمياه، مشروع سكك حديد الأردنالذي يربط الميناء الصناعي في العقبة بمناطق التعدين من منجم الفوسفات فيالشيدية ومصانع البوتاس في غور الصافي، خط غاز الريشة، إضافة إلى مشاريع الطاقةوالنقل العام. هذه المشاريع تمثل أولوية استثمارية للمرحلة المقبلة، ليس فقط لأنهابنية تحتية، بل لأنها تمثل رافعة للنمو الاقتصادي وتعزيز الاستقلالية الإنتاجية.

إن التحدي الأكبر أمام أي حكومة لا يكمن في وضع الخطط، بل في امتلاك الجرأة علىتنفيذها بكفاءة وشفافية. فالنمو الحقيقي لا يتحقق بالشعارات ولا بالقرارات الجزئية،بل بقدرة الدولة على تحويل مشاريعها الكبرى إلى نتائج ملموسة في حياة الناس.

كل هذه التفاصيل يعيها الرئيس جعفر حسان تماماً ويعي أن الحكومة اليوم أمام اختبارالتنفيذ، اختبار يعيد الثقة بين المواطن والدولة، ويحدد إن كان الأردن سينتقل فعلًا منمرحلة إدارة الواقع إلى مرحلة صناعة التغيير.

قد يعجبك ايضا