خطة ترامب والفوز بحائزة السلام
د. موسى بريزات
كان ممكناً ان يكون الجزء الأول مما سُميَ ب” خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط”كافيا لفوزه بلقب صانع السلام ، لو اكتفي الرئيس الامريكي وفريقه بمتابعة تطبيقهابأمانة وفي إطار معالجة موضوعية للقضية الفلسطينية على أساس الشرعية الدوليةوحق تقريرالمصير للشعب الفلسطيني . حينئذٍ يكون تأهله ممكنا وربما بجدارة لنيلجائزة نوبل للسلام التي يتوق لاضافتها لسجله غير الناصع البياض.
لكن خطابه في الكنيست الإسرائيلي قبيل انعقاد ما سُمي ، تجاوزا من وجه نظري ، بقمةشرم الشيخ للسلام وما جاء فيه من تأكيد على ان امريكا هي الشريك الاساسي وربماالمستفيد الأول من حرب الابادة التي شنتها إسرائيل بلا هوادة ضد غزة وأهلها ،مضافا الى ذلك ظهوره المسرحي في اجتماع الشرم اياه لإعلان خطته المذكورة التيجوهرها ليس فقط اخراج المقاومة وسلاحها من المعادلة ، بل وانهاء هذه المقاومةمن الوجود ! كل ذلك لم يترك ادنى شك بان اخر ما يفكر فيه الرئيس الامريكي هوتحقيق السلام ، وبالتالي الامن والاستقرار في الشرق الاوسط .
لقد أكدت تصريحاته حول مستقبل غزة المتناقضة بين تهديدها بالجحيم والمجاملةالمصطنعة من ناحية وان لديه تصورا حول مستقبل اهلها من ناحية ثانية كان قد بداهبمحاولة تهجير الغزيين وتحويل ارضهم المجبولة بالدم واشلاء الشهداء الى ريفيراجديدة ! كل ذلك في اطار تهديداته المتتالية لحماس بالويل والثبور ان لم تنصاعلرغبات نتنياهو الاجرامية واليمين ال..ص ه^ني المتطرف ، ودعمه اللامتناهي لإسرائيلوأفعال نتنياهو الاجرامية والتوسعية . كل ما سبق يؤكد ان لا الرئيس ترامب ، ولا ممثلهويتكوف ولا صهره جاريد كوشنر ، ولا وزير خارجيته ، ولا توني بلير وبقية حاشيته قدتعلموا الدرس الأساسي من تاريخ المنطقة الذي رسمته كل من بريطانيا وفرنسا ، القوىالغربية التي سبقت أمريكا ، في تشكيل الفضاء الجيوسياسي للشرق الاوسط المعاصرباعطاء الاولوية دائماً لمصالحها الاستعمارية على حساب شعوب هذه المنطقة.
لابل غاب على ما يبدو عن ترامب وعن مستشاريه ومعظم شركائه في المنطقة وخارجها، الدرس الذي فشل فيه معظم رؤساء أمريكا منذ ودرو ولسون حتى مجيء هذا الرئيس
لقد كررت أمريكا خلال العقود الاربعة الاخيرة في العديد من البلدان(هاييتي ،الصومال، أفغانستان ، العراق ، البوسنة ، واخيرا في الضفة الغربية ) نموذجا مشابها فيالشكل والمضمون لسايكس–بيكو المتمثل بالفشل في قراءة الديناميات الاقليميةبشكل موضوعي والقيام بمحاولة فرض نموذج “الدولة–الامة” على شعوب المنطقةمن الخارج بعيدا عن مجتمعاتها وتطلعاتها وهويتها ؛ بالاضافة الى التصميم علىتغيير شكل المنطقة بإعادة رسم الخارطة الاقليمية – ديمغرافيا ، وجغرافيا – لغيردولة وبما يخدم مصالح الغرب والتي تطورت لاحقا لتتجاوز انشاء منطقة نفوذ للدولالاستعمارية، والتحكم بالنفط انتاجا وسعرا واستخدامه اداة في التاثير على مواقفالخصوم والاستحواذ على الموقع الاستراتيجي للمنطقة في العقود الاخيرة لتنصببالمجمل على حماية امن إسرائيل والمصالح العقارية والطموح السياسي لترامبوربعه.
اما تصريحات نتنياهو حول اعادة تشكيل الشرق الاوسط فهي مجرد توظيف لهذاالجيوسياسي القائم في الشرق الأوسط والفاشل من اساسه ؛ اذ لم تتعد نتائجه الحروب المتكررة بين الكيانات الوطنية– المصممة خارجيا وداخلها ، وبروز مشاكلالاقليات واللاجئين والتهجير والارهاب (تصميم خارجي وتنفيذ محلي) وازمات بينالأنظمة ومجتمعاتها ، و استمرار التدخل الخارجي في شؤون المنطقه. والاهم غيابالتنمية المستدامة عن المنطقة وتكريس السلطوية وحكم الفرد .
لكن هذه التصريحات لرئيس وزراء اسرائيل والتي اتسمت بدرجة عالية من الاستعراضالسياسي وخدمة الذات باعتبارها صادرة عن شخص يعمل بشكل أساسي اعلى تأجيلدخوله المؤكد السجن بتهم قبول الرشوة واستغلال الوظيفة لتحقيق مصالح شخصيةبارتكاب ابشع أشكال حرب الإبادة في غزة لم يطلقها المذكور فقط لحماية نفسه مندخول السجن بل اراد منها ايصال رسالة إلى حليفه في البيت الأبيض .فهي حتما كانت دغدغة لآمال ترامب العقارية ومخياله الاستثماري هو ونسيبه كوشنر وشركائهما منأصحاب الطموح الشخصي والذين انضموا الى نادي السياسية والدبلوماسية المكوكيةوالاستراتيجية حديثا، لكنهم
على جهل مطبق بالدروس التي فرزها مسار الأحداث التاريخي في هذه المنطقة والتيابرزها غياب الفهم العميق للمجتمع او ،ان شئتم ، المجتمعات العربية في المنطقةوغيرها من المجتمعات – التركية والايرانية والباكستانية. وتتابع
هؤلاء الهواة في السياسة مراكمة الأخطاء السياسية الجسيمة والمتمثله بالتقليد الفجللانموذج الاوروبي في “الابوية” السياسية تجاه شعوب المنطقة انطلاقا من فكرة “عبء الرجل الابيض” المعروفة والتي تفهم الاستقلال والسيادة للشعوب الاخرى بعدمقدرة هذه الشعوب على فهم الحضارة الغربية ولذلك ضرورة الاخذ بيدها – اياستعمارها– حتى تنضج في المستقبل الذي يبدو انه بلا افق زمني لهذه الشعوب منمنظور الرجل الأبيض ؛ طبعا هذه الأبوية تعني حرمان الشعوب من تحمل مسؤوليتهاعن تحديد مصيرها وكذلك مصادرة حريتها في الإختيار.
يغفل هؤلاء او يتغافلون عن درس مهم اخر وهو الأهم بالنسبة الى شعوب المنطقةوهو مسألة “رد الفعل المؤجل” للشعوب العربية على المخططات الاستعمارية ضدهذه المنطقة وشعوبها لاسيما الامة العربية منها ؛ مثل هذا الرد التي دأبت هذهالشعوب على كبته وكتمانه تحينًا لفرصة اطلاقه بصيغة “سابع من اكتوبر” جديد او ربيععربي بصيغة اكثر تنظيما وفاعلية او ثورات أيديولوجية موجهة او فوضى غير موجهة .
وطورت الشعوب العربية الية الرد المؤجل هذه نتيجة طبيعة البنية السياسية الرسميةالتي هي إنتاج منظومة سايكس–بيكو الام المرتبطة بنيويا وموضوعيا بالنفود الغربيوالمشروع الص.ه.ي.و غربي مما عرقل امكانية التفهم والتجاوب لتطلعات وطموحاتهذه الشعوب وحقها في السيادة وتقرير مصيرها بنفسها ناهيك عن التمسك ، ولوبالحد الادنى ، بمبدأ تمثيل مصالح هذه الشعوب الأساسية بالشكل والدور الطبيعيين .
اخيرا، البشرى لترمب ووتكوف وبلير ان التاريخ سيذكرهم في احدى محطاته الساخرةانهم هم من صنعوا الظروف السياسية والجيوسياسية لولادة نماذج حمساويةجديدة او ربيع عربي جديد بعد ان كرسوا الأخطاء الجسيمة لمعادلة سايكس–بيكوالاستعمارية الأوروبية ولكن هذه المرة ببصمة صهيو امريكية بعد ان فاتهم مرة أخرىفهم الاجيال الجديدة من المجتمعات العربية التي وطنت على ما يبدو نموذج اومصطلح او فلسفة او…. او.. .السابع من اكتوبر والربيع العربي من بين ردوود الفعلالمجتمعية للامة لتحييد الهجوم الممنهج وصيروراته المتداخلة والمتكاملة خارجياومحليا لتصفية الأمة كما كان السابع من أكتوبر الخيار الوحيد لوقف مخطط تصفيةالقضية الفلسطينية عشية ذلك اليوم المشهود من وجهة نظر السنوار ورفاقه في غزة .
اخير ، قد يكون في هذه السطور نصيحة بصيغة تنبيه او العكس
لمن يهمه الأمر في بلاد العُرْب .