بلفور وبريمر وبلير

8

بلفور وبريمر وبلير

فيصل الشبول

قطع وزير الخارجية البريطاني اللورد آرثر جيمس بلفور وعدًا بإنشاء وطن لليهود في فلسطين العربية عام 1917، وتم تنفيذ الوعد بالفعل لاحقًا، الذي أنتج كيانًا عنصريًا توسعيًا عدوانيًا وضع المنطقة وسط بركان منذ ثمانية عقود ولا يزال.

احتل الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، العراق عام 2003، وعهد إلى الدبلوماسي الأميركي بول بريمر الإدارة المؤقتة لدولة حوصرت ودُمِّرت، بل وتُركت ساحة لقوى إقليمية ودولية تعبت بها منذ تحرير الكويت، أي قبل احتلالها باثني عشر عامًا.

ما زال العراق يعاني حتى اليوم من التشظي والمحاصصة وتراجع سلطة الدولة جرّاء قوانين بريمر والتدخلات الإقليمية والدولية ذاتها.

اليوم، يبرز اسم توني بلير رئيسًا محتملاً للسلطة الانتقالية الدولية في غزة، إن نجحت خطة الرئيس الأميركي في وقف العدوان الإسرائيلي على القطاع.

توني بلير من أبرز المحرّضين، عقائديًا، للعدوان الأميركي على العراق، بل وعلى احتلاله عام 2003، عندما كان رئيسًا لوزراء بريطانيا.

شارك في الحرب ولم يكن محرِّضًا للأوروبيين فحسب، واتُّهم بخداع البرلمان البريطاني تاليًا بعد أن ثبت خلوّ العراق من أسلحة الدمار الشامل.

لاحقًا، وبعد انتهاء ولايته رئيسًا لوزراء بريطانيا التي دامت نحو عشر سنوات، تولّى بلير مهمة مبعوث ما كان يُسمّى بالرباعية الدولية (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة) لمدة ثماني سنوات لتسوية قضية الشرق الأوسط وجوهرها القضية الفلسطينية.

انتهت السنوات الثماني دون أي اختراق ملموس، بل بمزيد من الإحباط ومشاعر العداء للفلسطينيين.

غير أن تلك المهمة لم تضع عليه سُدًى، بل حوّلته إلى «خبير» في شؤون المنطقة أسّس على إثرها «معهد توني بلير للتغيير العالمي» بهدف تدريب قادة قادرين على قيادة عالم جديد، وفقًا للتعريف بالمعهد.

أقام علاقات تجارية مع عدة دول في المنطقة، وقيل إنه أول من أطلق فكرة تحويل غزة إلى مشروع اقتصادي، وهو داعم لحكومة الاحتلال سرًا وعلنًا، سياسيًا وعقائديًا.

مع توني بلير سيكون جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي ومستشاره في رئاسته الأولى، ومهندس «الاتفاقات الإبراهيمية». وسيكون كذلك ستيف وتيكوف مبعوث الرئيس الأميركي.

هكذا تكتمل الحلقة. فإذا كان بلفور أنشأ وطنًا لليهود في فلسطين، وإذا كان بريمر قد وضع أسس ضعف الدولة العراقية بعد تدمير قدراتها العسكرية والمدنية، فإن توني بلير سيكون أمام مهمة تفتيت وحدة الأراضي الفلسطينية، أو ما تبقّى منها بحيث لا تقوم دولة قابلة للحياة مستقبلًا.

إعادة إعمار غزة مهمة نبيلة في كل الأحوال بصرف النظر عمّن يمولها، إن كان العرب وحدهم، أو إن ساهم غيرهم فيها.

لكن المهم أيضًا السؤال عن مصير خطة إعادة الإعمار العربية التي أعدتها مصر ووافق عليها العرب في قمة القاهرة، والتي نصّت ليس على مراحل إعادة البناء فقط، بل وعلى أن تؤول إدارة القطاع إلى تكنوقراط فلسطيني ثم إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، أي إلى دولة فلسطين.

إذا صحت التكهنات بتولي توني بلير ومعه كوشنر وويتكوف مسؤولية إدارة انتقالية لقطاع غزة لمدة خمس سنوات، فإن مستقبل وحدة أراضي الدولة الفلسطينية سيكون في خطر، حتى لو تم تقديم ضمانات مسبقة.

على العرب، وعلى الفلسطينيين خصوصًا، وبعد التحولات العالمية الإيجابية تجاه الحقوق الفلسطينية، أن يتنبّهوا جيدًا لخطورة دور بلير في المرحلة المقبلة.الدستور

قد يعجبك ايضا