الكاميرات في الأردن: جباية مقنّعة باسم السلامة!

34

الكاميرات في الأردن: جباية مقنّعة باسم السلامة!
الدكتور محمد الهواوشة
لم يعد خافياً على أحد أن الكاميرات التي غزت شوارع الأردن لم تُزرع لحماية الأرواح ولا لتقليل الحوادث كما يُروَّج، بل تحوّلت إلى فخاخ جباية تستنزف المواطن الأردني تحت شعار “السلامة المرورية”.
في بلدٍ أثقلته الضرائب ورفع الأسعار، جاء دور الكاميرات لتزيد الطين بلّة. تُخفَّض السرعات في بعض الشوارع إلى معدلات غير منطقية، لا لسلامة السائق بل لاصطياده! المواطن اليوم يقود سيارته وهو مطارد بعشرات العيون الإلكترونية التي تترصده في كل لحظة، وكأن الهدف ليس حمايته بل نهب ما في جيبه.
لم يتوقف الأمر عند السرعة. الكاميرات اليوم تتدخل حتى في تفاصيل حياة السائق داخل مركبته:
هل وضع الحزام؟
هل أمسك الهاتف؟
هل أكل أو شرب؟
بأي حق تتحول السيارة الخاصة إلى مسرح مراقبة دائم؟ هذا ليس قانوناً ولا حماية، بل تجسّس مفضوح وانتهاك صارخ للخصوصية.
في الولايات المتحدة وأوروبا، الكاميرات موجودة منذ عقود، لكن وظيفتها محددة وواضحة:
ضبط السرعة.
مراقبة الإشارات.
تنظيم المرور في المسارات الخاصة.
لا توجد كاميرات تتصيد السائق لأنه يأكل أو يشرب أو نسي الحزام. هناك، المواطن يُعامل كإنسان يجب حمايته. أما هنا، فالمواطن يُعامل كـ خزنة متنقلة يجب تفريغها.
الحكومة تعرف أن جيب المواطن هو أسهل بنك للتمويل. بدل تحسين البنية التحتية وتطوير الطرق، زرعت الفخاخ الإلكترونية. كل ذلك تحت لافتات براقة: “الوقاية” و”التنظيم”، بينما الحقيقة أنها جباية بوجه مكشوف.
لسنا ضد القوانين ولا ضد حماية الأرواح، لكننا ضد تحويل الدولة إلى شركة تحصيل، وضد أن تتحول الكاميرات من وسيلة حماية إلى وسيلة إذلال ونهب.
إن كان الهدف فعلاً حماية الناس، فلنَرَ:
طرقاً آمنة.
قوانين عادلة.
حلولاً مرورية حقيقية.
وعليه، فإن المطلوب اليوم تدخل مباشر من الحكومة ومجلس النواب لمراجعة هذه السياسات الجائرة، وإعادة توجيه التكنولوجيا لخدمة المواطن لا لابتزازه.
فكرامة الأردني ليست سلعة، وجيبه ليس خزينة مفتوحة!

قد يعجبك ايضا