مؤشرات المالية العامة خلال النصف الأول من 2025

د. رعد محمود التل

36

يعكس الأداء المالي للحكومة خلال النصف الأول من عام 2025 مزيجاً من التحسن في جانب الإيرادات مقابل تسارع أكبر في وتيرة الإنفاق، وهو ما أدى إلى اتساع العجز المالي وارتفاع مستويات الدين العام. وتمنح هذه المؤشرات فرصة لفهم أعمق لوضع المالية العامة والتحديات التي تواجه استدامتها على المدى المتوسط.

في جانب الإيرادات، ارتفعت الإيرادات المحلية إلى نحو 4668.7 مليون دينار مقابل 4504 ملايين دينار في الفترة ذاتها من 2024، أي بزيادة بلغت 164.8 مليون دينار. هذا الارتفاع جاء حصيلة نمو الإيرادات الضريبية وغير الضريبية على حد سواء، حيث سجلت الإيرادات الضريبية زيادة بحوالي 74.2 مليون دينار مدفوعة أساساً الارتفاع المتأتي من الضريبة العامة على السلع والخدمات بنسبة 6.3%، فيما تراجعت حصيلة الضريبة على الدخل والأرباح بنسبة 4.9%، وهو مؤشر يعكس تباطؤاً في النشاط الاقتصادي الحقيقي المرتبط بالدخول والأرباح مقارنة بالتحصيل الضريبي على الاستهلاك. أما الإيرادات غير الضريبية فقد ارتفعت بحوالي 90.5 مليون دينار نتيجة نمو الإيرادات المختلفة وإيرادات بيع السلع والخدمات، رغم انخفاض دخل الملكية بشكل ملحوظ. بالمقابل، شهدت المنح الخارجية تراجعاً حاداً إلى 22.1 مليون دينار فقط مقابل 77.9 مليون دينار العام الماضي، بانخفاض نسبته 71.6%، وهو ما قلّص من قدرة المنح على دعم الخزينة.

على صعيد الإنفاق، بلغ إجمالي النفقات خلال النصف الأول من العام 5769.3 مليون دينار مقابل 5353.4 مليون دينار في الفترة المقابلة من 2024، مسجلاً ارتفاعاً قدره 415.9 مليون دينار أو ما نسبته 7.8%. وجاءت هذه الزيادة نتيجة ارتفاع النفقات الجارية بمقدار 334.8 مليون دينار، مدفوعة بعوامل هيكلية أبرزها فاتورة الأجور والدعم وخدمة الدين. كما ارتفعت النفقات الرأسمالية بنسبة 18.6% لتصل إلى 81.1 مليون دينار، وهو تطور إيجابي من حيث التوجه نحو تعزيز الإنفاق الاستثماري، إلا أن مستواه المطلق ما زال محدوداً قياساً بحجم الاقتصاد والاحتياجات التنموية.

نتيجة لهذه التطورات، سجلت الموازنة العامة عجزاً مالياً بعد المنح بلغ 1078.4 مليون دينار في النصف الأول من 2025 مقابل 771.5 مليون دينار في الفترة ذاتها من 2024. أما العجز قبل المنح فقد ارتفع إلى 1100.5 مليون دينار، ما يعكس هشاشة الاعتماد على المنح في تقليص فجوة العجز. هذه الأرقام تكشف أن نمو الإيرادات لم يكن كافياً لمجاراة وتيرة التوسع في الإنفاق، ما أدى إلى تفاقم العجز بنحو 40% خلال عام واحد فقط.

أما على صعيد المديونية، فقد بلغ إجمالي الدين العام الكلي، متضمناً ما يحمله صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي، في نهاية حزيران 2025 نحو 46 مليار دينار، أي ما يعادل 118% من الناتج المحلي الإجمالي المقدر. هذا المستوى المرتفع يسلط الضوء على التحديات التي تواجه المالية العامة في تحقيق مسار مستدام للديون بما يتوافق مع معايير الاستدامة المالية.

وبحسب طريقة عرض وزارة المالية، فإن استثناء دين صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي يخفض رصيد الدين الحكومي إلى حوالي35.36 مليار دينار، أي ما نسبته 90.9% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ 34.18 مليار دينار أو 90.2% في نهاية 2024. ويشكل هذا التوزيع بين الدين الداخلي والخارجي مؤشراً على هيكل المديونية: إذ بلغ الدين الخارجي نحو 19.82 مليار دينار، أي50.9% من الناتج المحلي الإجمالي، بزيادة طفيفة عن مستواه نهاية 2024، مع تسجيل خدمة الدين الخارجي خلال حزيران 2025 ما يقارب 22.2 مليون دينار فوائد و935.1 مليون دينار أقساطاً، وهو ما يضغط على ميزان المدفوعات ويحد من قدرة الدولة على تمويل المشاريع التنموية. أما الدين الداخلي فقد بلغ نحو 15.53 مليار دينار، أي 39.9% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ 39.2% في نهاية 2024، ما يعكس زيادة الاعتماد على الاقتراض المحلي لتمويل العجز المالي.

يمكن القول إن الأداء المالي خلال النصف الأول من 2025 يعكس معضلة مزدوجة: من جهة، قدرة محدودة للإيرادات على مواكبة النمو في النفقات الجارية، ومن جهة أخرى، ارتفاع مستمر في مستويات الدين العام والعجز، رغم بعض التحسن في الإنفاق الرأسمالي. معالجة هذه الاختلالات تتطلب إعادة هيكلة شاملة للإنفاق العام باتجاه رفع كفاءته، وتوسيع القاعدة الضريبية دون الإضرار بالنشاط الاقتصادي، إضافة إلى تبني استراتيجية واضحة لتخفيض نسبة الدين إلى الناتج على المدى المتوسط. من دون ذلك، ستظل الضغوط المالية قائمة، ما قد يقيد قدرة الاقتصاد على النمو المستدام وتحقيق أهداف التحديث الإقتصادي.

(الرأي)

قد يعجبك ايضا