تفاهمات مائية في الوقت الحرج

أحمد الحسبان

27

 

لا أقلل من شأن المباحثات المائية الأردنية السورية التي جرت مؤخرا بين مسؤولين رفيعي المستوى من البلدين. ولا من شأن التوقيت الذي جرت فيه تلك المحادثات، التي جاءت متأخرة جدا بسبب مماطلات النظام السابق، وتعمده التنكر لحقوق الأردن المائية التي تم التوافق عليها بين الجانبين في مراحل سابقة. ولا من الاستجابة السريعة والتفهم الكبير من قبل الحكومة السورية الجديدة وموافقتها على فتح ملف المياه باعتباره الملف الأكثر حرجا بالنسبة للأردن، بعد أن طال انتظاره، وأصبح في وضع مائي تصنفه المقاييس العالمية ضمن الأكثر حرجا.

وهو الوضع الذي كشف عنه وزير المياه قبل أيام، وعلى هامش لقاءات رفيعة المستوى مع الجانب السوري، حيث أعلن أن الأردن أصبح في موقع” الدولة الأكثر فقرا مائيا في العالم”، متراجعا من مرتبة “ثاني أفقر دولة في العالم مائيا”. وقبل عمليات اللجوء السوري “خامس أفقر دولة مائيا”.
فالمعلومات المرافقة لهذا التصنيف تؤكد أن حصة الفرد في الأردن تراجعت إلى 61 مترا مكعبا من المياه سنويا فقط. مقابل خمسمائة متر مكعب للفرد تشكل حد الفقر المائي في المقاييس المعتمدة عالميا.
فالمحادثات التي جرت على أكثر من جولة، وأكثر من مستوى، كانت جيدة، حيث أبدى الجانب السوري تفهمه التام للطرح الأردني، الذي أعاد التذكير باتفاقيات سابقة بين الطرفين آخرها الموقعة في العام 1987، والتي نصت على حق الأردن في الحصول على 200 مليون متر مكعب من مياه حوض اليرموك سنويا. وما سبقها من اتفاقيات تعرضت للاختراق من قبل الجانب السوري.
فقد نصت الاتفاقية على تحديد عدد السدود التي يسمح للجانب السوري بإقامتها على نهر اليرموك وضمن ذلك الحوض المائي بـ” 27 سدا” تخطاها الجانب السوري ببناء 50 سدا. وحفر 10,000 بئر ارتوازي أدت في مجملها إلى تخفيض كميات المياه الواصلة إلى الجانب الأردني إلى أقل من خمسين مليون متر مكعب بدلا من الحصة المتفق عليها والبالغة 200 مليون متر مكعب.
من أبرز نتائج اللقاءات المشتركة التي جرت مؤخرا تفهم الجانب السوري لتلك الملاحظات، والإقرار بمشروعيتها، والتوافق على معالجتها بحيث يحصل الجانب الأردني على حصته كما وردت في الاتفاقية. ما يعني استمرار التواصل للبحث في كيفية التعامل مع السدود والآبار التي حجبت المياه عن الأردن، وخفضت حصتها إلى حدود متدنية، بما في ذلك وصول سد الوحدة الذي أقيم لهذا الغرض إلى مستوى الجفاف.
فالواقع يؤشر إلى أن الجانب الأردني بحاجة ماسة وسريعة للحصول على المياه، ليس كبديل عن الكميات التي يفترض الحصول عليها من إسرائيل، والتي لا يتوقف المسؤولون والمستوطنون الإسرائيليون عن التلويح بقطعها. وإنما للشح الكبير في المصادر المائية وصولا إلى ما يلامس حالة الجفاف. بعد أن جفت معظم السدود، وتوقفت بعض الزراعات، وتراجعت كميات الضخ لغايات الشرب في الكثير من المناطق تحت تأثير تدني الأمطار على مستوى المنطقة.
فالجانب الأردني قد يكون بحاجة ماسة إلى الإسراع في تحويل كميات من المياه إلى سد الوحدة لغايات الاستفادة منها. ولا يملك ترف الانتظار إلى حين اتخاذ اجراءات ومعالجات تحتاج إلى وقت طويل لإنجازها، لكنه مضطر للانتظار وفقا لما تتطلبه الحالة الراهنة في الجانب السوري حيث تأثرت المنشآت المائية بمخرجات الحرب وأعمال التخريب التي شهدها الجانب السوري على مدى أعوام طويلة مضت.
وفي الوقت نفسه، يتفق الجانبان الأردني والسوري على صعوبة الوضع المتمثل باحتلال إسرائيل مناطق شاسعة من حوض نهر اليرموك، الذي يشكل المصدر الرئيسي للمياه في الجنوب السوري والذي يمتلك الأردن حصة من إنتاجه المائي.
فقوات الاحتلال أصبحت على مشارف سد الوحدة، وتسيطر على غالبية روافد نهر اليرموك، والسدود المقامة عليه. وبحسب تقارير أمنية ومائية هناك خشية من أن تعطل إسرائيل أية جهود للجانبين السوري والأردني من أجل تصويب الخلل، وتعظيم الاستفادة من مياه الحوض المشترك. فالمستجد هنا هو احتلال عسكري من قبل أسوأ عدو محتل، يضع ملف السيطرة على المصادر المائية على رأس أولوياته. ويتمسك بالحفاظ على العديد من المصادر المائية التي ترفد ذلك الحوض وما حوله من مصادر بدءا من جبل الشيخ، وليس انتهاء بمرتفعات الجولان وصولا إلى حوض اليرموك الذي يسعى الجانبان السوري والأردني إلى تطبيق عمليات استمطار صناعي عندما يكون ذلك ممكنا لرفع منسوب الأمطار فيه، وتعظيم الاستفادة المشتركة من كل قطرة مياه مطرية أو جوفية.
فالدولتان تخوضان حربا من نوع آخر، أصعبها الاحتلال الاسرائيلي الذي تشير التقديرات إلى أنه لن يترك ذلك الحوض الحيوي بسهولة، إما لاستغلال مياهه، أو للضغط على الدولتين معا خدمة لأغراضه التوسعية ولحربه المائية والعسكرية. الغد

قد يعجبك ايضا