الأرصفة .. للمشاة أم للزينة؟
عمران السكران
في شوارعنا، الأرصفة تشبه أحيانًا قطع الفسيفساء أكثر مما تشبه ممرات مخصصة للمشاة، بعضها مائل كأنّه يستعد للانزلاق مع أول شتوة، وبعضها مرتفع كالجدار يحتاج سلّمًا للصعود، والبعض الآخر ضيّق بالكاد يتّسع لقدم واحدة، فما بالك باثنتين!
المفارقة أن هذه الأرصفة وُجدت أساسًا لحماية المشاة، لكنها اليوم تجبرهم على الاختيار: إمّا المشي على الشارع ومزاحمة السيارات، أو ممارسة رياضة القفز على الحواجز والأعمدة المزروعة وسط البلاط، وإذا كنت من أصحاب الكراسي المتحركة أو تدفع عربة أطفال، فالله يعينك على المغامرة.
في كثير من الأحياء، يبدو وكأن كل صاحب محل أو بيت قرر تصميم الرصيف أمامه على طريقته الخاصة: هذا بالبلاط الملوّن، وذاك بالرخام، وآخر بالتراب فقط، وكأننا في مسابقة إبداعية لا علاقة لها بالمواصفات والمقاييس، النتيجة أرصفة متقطعة، غير متناسقة، لا تسمح بمسار آمن ومستمر للمشاة.
الطريف أن بعض الأرصفة تحولت إلى مواقف سيارات، أو معارض مكشوفة للبضائع، أو حتى “حدائق صغيرة” مزروعة بأحواض الزينة، أما المشاة، فهم الضيف غير المرغوب به على هذه المساحة.
الحديث عن تنظيم الأرصفة ليس ترفًا؛ فالمسألة ترتبط بالسلامة العامة وبحق أساسي في المدينة: أن تسير على قدميك بأمان دون أن تشعر أنك في سباق عوائق أولمبي.
يجب توحيد المواصفات ووضع معايير واضحة وملزمة لشكل الأرصفة وارتفاعها وانسيابيتها، بحيث تخدم جميع الفئات، ومنع تحويل الأرصفة إلى مواقف أو بسطات أو حدائق خاصة، وهذا الاجراء بدأ يأخذ طريقه من قبل كوادر البلديات في مختلف المحافظات.. شكرا.
ولكن لا بد من تصميم صديق للجميع: مراعاة ذوي الإعاقة، وكبار السن، وأمهات عربات الأطفال عبر منحدرات ومساحات كافية، مع تجديد دوري: صيانة مستمرة تمنع الأرصفة من التحول إلى أفخاخ من البلاط المكسور والحفر.
ولا نغفل حملات توعية من خلال إشراك المواطنين وأصحاب المحال في أهمية الرصيف كحق عام لا كملكية خاصة.
عندها فقط قد تتحول الأرصفة من “لوحات فسيفسائية عشوائية” إلى ممرات إنسانية حقيقية، تليق بمدننا .. تعيش وتتنفس على وقع خطوات أهلها وزوارها.