علماء يحوّلون الخميرة إلى مصانع لإنتاج أدوية ذكية
فينيسيا – العقبة اليوم الإخبارية
نجح فريق بحثي دولي في تحويل خميرة الجعة العادية إلى مصانع دقيقة ومتوهجة لإنتاج مركبات دوائية ذكية، في اختراق علمي قد يسرّع تطوير أدوية أكثر أمانًا وفعالية، ويُحدث تحولًا جذريًا في صناعة الدواء العالمي.
وأعلنت جامعة “كا فوسكاري” في مدينة فينيسيا الإيطالية، بالتعاون مع باحثين من اليابان، والصين، وسويسرا، وإيطاليا، عن تطوير طريقة مبتكرة لإنتاج وتحليل مليارات المركبات القائمة على الببتيدات الحلقية، وهي جزيئات واعدة تُستخدم بشكل متزايد في الطب الحديث.
وتتميز هذه الببتيدات بقدرتها الدقيقة على استهداف الخلايا، واستقرارها العالي، وانخفاض آثارها الجانبية مقارنة بالأدوية التقليدية، إلا أن تطويرها واكتشافها كان في السابق يتطلب عمليات معقدة وبطيئة وغير صديقة للبيئة.
وعمل الباحثون على تعديل خلايا خميرة الجعة جينيًا بحيث تنتج كل خلية نوعًا مختلفًا من الببتيدات الدوائية، وتصدر ضوءًا فلوريًا عند إنتاجها، ما يمكّن العلماء من رصد المركبات المفيدة بسرعة عالية باستخدام تقنيات متقدمة تعتمد على الفلورية.
وقالت الباحثة الرئيسية، الدكتورة “سارة لينتشانو” من قسم العلوم الجزيئية والنظم النانوية بجامعة كا فوسكاري: “قمنا ببرمجة الخلايا لتعمل كمصانع صغيرة تتوهج عند إنتاج مركب معين، ما أتاح لنا تحليل أكثر من 100 مليون ببتيد خلال وقت قصير بكفاءة عالية”.
وأوضحت الباحثة “يلينيا ماتزوكاتو”، إحدى القائمات على الدراسة، أن هذه التقنية تعتمد على قدرة الخميرة الطبيعية، وهي بذلك توفّر طريقة إنتاج صديقة للبيئة: “ننتج جزيئات ببتيدية قابلة للتحلل الحيوي وآمنة للبيئة، مما يشكل مدخلًا حقيقيًا نحو الدواء الأخضر”.
وبفضل تقنيات مثل البلورات بالأشعة السينية، أكد فريق البحث قدرة الببتيدات المنتَجة على الارتباط بدقة بأهدافها البيولوجية. وقالت الباحثة “جانا رومانيك”، التي شاركت في التحليل البنيوي: “أثبتنا بالدليل التجريبي دقة هذه المركبات في الارتباط، ما يعزز فعاليتها كمكونات دوائية محتملة”.
من جانبه، أشار منسق الدراسة وأستاذ مشارك في الجامعة الدكتور أليساندرو أنجَليني، إلى الأفق الجديد الذي تفتحه هذه التقنية، ويقول: “ندفع حدود التكنولوجيا لصنع ببتيدات حلقية تستطيع إيصال العلاجات المتقدمة مباشرة إلى الخلايا المستهدفة، وهو ما قد يُحدث ثورة في مجالات متعددة من الطب”.
جاء هذا المشروع ضمن إطار “خطة التعافي والمرونة الوطنية” الإيطالية، بدعم من مبادرة الاتحاد الأوروبي “الجيل القادم – Next Generation EU”، وبمشاركة خبراء من جامعات عالمية في مجالات الكيمياء والفيزياء الحيوية والعلوم الحاسوبية.