استراتيجيات الهدم
د نبيل الكوفحي
بعض مؤسسات الدولة رهينة مسؤولين يسيرون للخلف بحجة التطوير، وليس ذلك عن علم جديد لم تعرفه البشرية، بل ربما عن عدم معرفة وبالتالي تدمير وهدم، ويبقى الوطن ومشاريع التطوير والبناء فيه حبيس قول الشاعر ،
مَتى يَبلُغُ البُنيانُ يَوماً تَمامَهُ … إِذا كُنتَ تَبنيهِ وَغَيرُكَ يَهدِمُ
الاستثمار احد اهم الأبواب التي تطالب بها الحكومة البلديات؛ ان تعتمد على نفسها في زيادة الإيرادات المالية، وامام سياسة عدم رفع الرسوم مقابل الخدمات، فليس امام البلديات سوى الاستثمار. بلدية اربد الكبرى احدى اهم البلديات المفترض ان تقوم بهذا التوجه اذ هي مركز لمعظم محافظات الشمال وتعد مركزا تجاريا وتعليميا وخدميا لها، لذا انشأت مجلسا اعلى للاستثمار من القطاع الخاص وجّه البلدية إلى مجموعة من الخيارات المهمة والناجحة في مجال الاستثمار. وحين تقترن بعض المشاريع الاستثمارية بعوائد خدمية واجتماعية واقتصادية مختلفة، تكون الأولوية كبيرة وملحة.
ضمن مخطط تطوير وسط المدينة والذي طرح في عهد دورة المجلس الأسبق ( ٢٠١٦-٢٠٢١) بتمويل كريم من الديوان الملكي العامر، ولقي اهتماماً من كافة مؤسسات الدولة في حينه ومنه وزير البلديات في حينه، كان من المشاريع التي تم تصميمها مشروع حسبة الجورة ومشروع مجمع القصبة.
حينما جاء المجلس الجديد (٢٠٢٢-٢٠٢٦) احترم هذه الدراسة التي تقوم بها جهة ذات اختصاص وخضعت لموافقات متتابعة من الجهاز الفني في البلدية، فسار في إنجازها وتنفيذ بعض مشاريعها الممكنة والمفيدة. وكلف ذات الشركة التي تقوم بدراسة التطوير بإنجاز المخططات اللازمة وقد تمت بكلف معقولة بخلاف ما يشاع من معلومات ليست صحيحة، فكلفة مشروع تطوير وسط المدينة بمراحلها الخمسة حوالي سبعمئة الف دينار تقريبا وليست كلفة مخططات الحسبة كما يشيع البعض.
قامت البلدية باتخاذ كافة الاجراءات اللازمة ومنها التقارير الفنية من اللجان المختصة التي أوصت بضرورة الإسراع بهدم البناء القائم حفاظا على الأرواح وتم التشاور مع التجار في تطوير المخططات الموجودة والتوافق على ذلك. وبدات البلدية ببقية الاجراءات من تقديم دراسة الجدوى والذي تشير لاسترداد الكلفة بحدود سبع سنوات غير العوائد الاقتصادية والاجتماعية الأخرى إلى حين الحصول على قرض وطرح العطاء وإحالته بعد سلسلة من العراقيل الرسمية.
نتفاجأ اليوم بالحديث عن إلغاء المشروع واستبداله ببسطات، ان قرارات الاستثمار ليست رهينة أراء شخصية وتقديرات ليست من ذوي اختصاص، وان المجالس البلدية المنتخبة الأقدر على خدمة الناس وتقدير المصلحة العامة وزيادة الإيرادات سارت بهذا التوجه الاستثماري. خاصة حينما تكون قراراتها مبنية على شراكة حقيقية مع اصحاب الاختصاص والعلاقة والمصلحة. نستغرب سكوت وزارة الادارة المحلية عن هكذا اجراءات هدم وتخريب للاستثمار ورمي مخرجات مشروع تطوير وسط المدينة في سلة المهملات، والحال ربما كما قال الشاعر :
وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ.
أثناء دورة المجلس البلدي المنتخب، كان معالي الوزير الحالي مهتماً جدا بمتابعة مخططات تطوير وسط المدينة من خلال موقعه في موسسة اعمار اربد، وقام بعدة زيارات للبلدية لهذا الغرض، وبعد ان اصبح وزيرا كان العذر الوحيد لديه في موضوع مشروع حسبة الجورة هو عدم قدرة بنك تنمية المدن والقرى على التمويل، وبدوره وافق مشكورا على قيام البلدية بالاقتراض من البنك الاسلامي الأردني وهذا ما تم، ولم يناقش الوزير او احد من الوزارة فكرة عدم جدوى المشروع قط.
الأمر الآخر مشروع مجمع القصبة،فقد قامت البلدية قبل حوالي عشر سنوات بشراء الارض المحاذية لتل اربد من جهة الغرب، ثم بجهود بعض ابنائها المخلصين استطاعت الحصول على منحة تقدر بمليوني دينار من الاتحاد الأوروبي، استكملنا المشروع ومنها دراسة جدوى تشير إلى عوائد كلفة المشروع خلال ثمان سنوات تقريبا، وتم تجهيز المخططات والتي تحوي على مواقف للباصات العاملة في المناطق القريبة بالإضافة لمبيت حافلات مشروع النقل العام الذي فيه منحة للبلدية تزيد عن خمسة ملايين دينار ومحال تجارية وقاعات وحواضن أعمال بالإضافة لموقف عمومي للسيارات بالأجرة وأخرى وتقدمنا للحصول على قرض بمليوني دينار منذ شهر ١٠ لعام ٢٠٢٣ وللأسف بعد كل تلك الجهود والمنحة نسمع عن قرار الغاء المشروع والذي يعد ركنا رئيسا لمشروع تطوير تل اربد ايضا، مما ينعكس سلبا على مشروع تطوير وسط المدينة وكذلك ثقة المانحين الدوليين بالمؤسسات المحلية.
ان السكوت على هذه الاجراءات ضد مشاريع استثمارية ذات قيمة حضارية واجتماعية وسياحية مهمة، يقوض كل ما يروج له من حديث عن الاستثمار وتمكين البلديات ولا يمكن تفسيره الا ضمن استراتيجيات الهدم لكل منجز وطني.
ان خلافات بعض المواطنين الشخصية مع البلدية سابقاً والترحيب بكل ما يناقض سياساتها وخططها، لا يفوض احدا بالغاء مشاريع استثمارية ذات مصلحة للبلدية والمواطنين والتجار المستفيدين وتوفر فرص عمل واعالة لمئات الأسر وتبقي المدينة محرومة من أية مشاريع تطوره.