الأردن في قلب العاصفة الإقليمية
كتب: محرر الشؤون السياسية
العقبة اليوم – خطاب نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية أيمن الصفدي أمام مجلس الأمن جاء بمثابة وثيقة سياسية صريحة تعكس بوضوح حجم الدور الأردني المحوري في المنطقة، وتضع عمان في صدارة الدول التي تتحمل عبء الدفاع عن القضايا العربية في مواجهة السياسات الإسرائيلية التصعيدية.
أعاد الصفدي التأكيد على مبادرة السلام العربية لعام 2002، التي طرحها العرب بقيادة السعودية وحظيت بإجماع عربي كامل، باعتبارها الإطار الواقعي والشرعي لتحقيق السلام، مبينًا أن إسرائيل هي الطرف الوحيد الذي يرفض التفاعل معها منذ أكثر من عقدين. هذا التذكير يضع الأردن في موقع الحارس للمبادرة العربية، والمسؤول عن إبقائها حية في الساحة الدولية.
ووسّع الخطاب من دائرة النقد المباشر لإسرائيل، حيث لم يقتصر على غزة والضفة الغربية، بل شمل لبنان وسوريا وقطر، وهنا يظهر البعد الاستراتيجي للدور الأردني: الدفاع عن الأمن القومي العربي الشامل، واعتبار أن أي اعتداء على دولة عربية يمس استقرار المنطقة كلها، وهو ما يعكس فهمًا أردنيًا عميقًا لطبيعة الترابط الأمني والسياسي في الشرق الأوسط.
واستخدم الصفدي لغة حادة غير معتادة في الدبلوماسية الأردنية التقليدية، واصفًا الحكومة الإسرائيلية بأنها “مارقة وملطخة بدماء الأبرياء”، وهو ما يعكس تحولًا في الخطاب الأردني من نهج التهدئة والوساطة إلى نهج المواجهة السياسية المباشرة، انسجامًا مع حجم التصعيد الإسرائيلي ضد غزة والدول العربية الأخرى.
وشدّد الأردن على مسؤولية مجلس الأمن والمجتمع الدولي في وقف العدوان، وذكّر بأن القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة لا يمكن أن يبقيا رهينة الانتقائية والمعايير المزدوجة، هنا يبرز الأردن كصوت يطالب بإعادة الاعتبار للنظام الدولي الذي اهتزت شرعيته نتيجة انحياز بعض القوى الكبرى.
والأرقام التي ذكرها الصفدي (65 ألف شهيد في غزة، مئات الصحفيين وعاملي الإغاثة، والمجاعة التي أودت بأرواح المئات) لم تكن مجرد بيانات، بل توظيفًا مقصودًا لـ قوة الأرقام في صناعة الرأي العام الدولي. هذا يعكس خبرة أردنية في صياغة خطاب يزاوج بين العاطفة والواقعية السياسية.
يثبت الخطاب أن الأردن يسعى إلى إبقاء قضيته المركزية – فلسطين – في صدارة الأجندة الدولية، لكنه في الوقت ذاته يعرض نفسه كمدافع عن استقرار المنطقة كلها، من لبنان إلى سوريا وقطر. هذا الدور يعزز مكانة الأردن كـ”صوت العقل” الذي يوازن بين رفض العدوان والدعوة إلى حل سياسي يقوم على حل الدولتين، ما يجعل الأردن حلقة الوصل الضرورية بين العرب والمجتمع الدولي.
خطاب الصفدي أمام مجلس الأمن يعكس أن الأردن لم يعد مجرد وسيط محايد، بل تحول إلى قوة سياسية فاعلة تسعى إلى إعادة صياغة المعادلة الإقليمية، مستندًا إلى شرعية المبادرة العربية، وإلى موقعه الجيوسياسي الذي يفرض عليه أن يكون في قلب الصراع، وفي الوقت نفسه في قلب الحل.