انطلاقة لوجستية جديدة للأردن
د. رعد محمود التل
خلال زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى مطار الملكة علياء الدولي، تم إطلاق مشروعين استراتيجيين يهدفان إلى تعزيز دور الأردن كمركز إقليمي للخدمات اللوجستية والشحن الجوي، إضافة إلى تدريب الطيران وصيانة الطائرات. هذه الخطوة تمثل نقلة نوعية في مسار تطوير قطاع النقل الجوي الأردني، وتنسجم مع أولويات رؤية التحديث الاقتصادي التي تسعى إلى رفع مساهمة قطاع الخدمات في النمو وتوليد فرص عمل نوعية.
قطاع النقل واللوجستيات في الأردن يشهد نموًا متسارعًا، حيث بلغت قيمة السوق نحو 2.36 مليار دولار أمريكي عام 2025، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 2.89 مليار دولار بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي 4.12%. ويبرز النقل الجوي كأحد أسرع مكونات السوق نموًا بمعدل يتجاوز 5% سنويًا. هذه المؤشرات تعكس الفرص الكبيرة المتاحة أمام الأردن لتوسيع دوره كمحور إقليمي في حركة البضائع والخدمات.
الأرقام الحديثة لمطار الملكة علياء الدولي تعزز هذا التوجه. فقد استقبل المطار خلال النصف الأول من عام 2025 نحو 4.41 مليون مسافر، وهو أعلى رقم يسجله خلال نصف سنة، بزيادة 6% عن عام 2024. ورغم أن حجم الشحن الجوي بلغ 32 ألف طن في الفترة نفسها بانخفاض 16.5% عن العام الماضي، فإن ذلك يؤشر إلى الحاجة لتطوير قدرات إضافية، وهو ما تستجيب له المشاريع الجديدة. أما على المستوى السنوي، فقد تعامل المطار مع نحو 75 ألف طن من البضائع عام 2024، وهو رقم ما يزال أقل من مستويات ما قبل الجائحة، لكنه يمثل قاعدة انطلاق قوية للتوسع المستقبلي.
البنية التحتية للمطار شهدت تطورات متتالية، حيث ارتفعت طاقته الاستيعابية من 3.5 مليون مسافر عند إنشائه إلى 12 مليونًا بعد توسعة 2016، مع خطط للوصول إلى 16 مليونًا بحلول 2032. وعلى صعيد الشحن، توسعت المساحات المخصصة من 8 آلاف متر مربع إلى أكثر من 30 ألف متر مربع متوقعة بحلول 2026، مع افتتاح مستودعات جديدة ترفع من كفاءة المناولة والتخزين.
مشروع تدريب الطيران وصيانة الطائرات يمثل بدوره استثمارًا في رأس المال البشري الأردني. فالقطاع يتطلب كوادر ذات خبرات تقنية عالية، وهو ما يمنح الأردن فرصة لتأهيل شباب قادرين على المنافسة إقليميًا وعالميًا. كما أن توفير خدمات الصيانة للطائرات العاملة في المنطقة يفتح بابًا لصادرات خدمية ذات قيمة مضافة، ويعزز مكانة الأردن كمزود معتمد لحلول الطيران.
من الناحية الاستراتيجية، تساهم هذه المشاريع في تعزيز أمن سلاسل الإمداد الأردنية. فزيادة قدرات الشحن الجوي وتحسين مرونة الخدمات اللوجستية يسهمان في ضمان وصول المواد الغذائية والطبية والسلع الأساسية بسرعة وكفاءة، وهو أمر بالغ الأهمية في منطقة معرضة للتقلبات الجيوسياسية. كما يعزز الأردن بذلك دوره كجسر يربط أسواق الخليج ببلاد الشام وشمال إفريقيا.
ومع أن الأردن يواجه منافسة قوية من مراكز إقليمية كدبي والدوحة وإسطنبول، إلا أن الفرصة قائمة للتميز من خلال تقديم خدمات متخصصة مثل الشحن المبرد للمنتجات الصيدلانية والزراعية، إضافة إلى الاستفادة من كلفة التشغيل التنافسية والبنية البشرية المؤهلة. كما أن إدماج التكنولوجيا الحديثة في التتبع الرقمي وإدارة المخزون سيشكل عنصر جذب مهم للشركات العالمية.
لضمان نجاح هذه المشاريع وتعظيم مردودها الاقتصادي، هناك مجموعة من التوصيات العملية منها، توسيع الشراكات الدولية مع شركات طيران وصيانة عالمية بما يعزز نقل التكنولوجيا والمعرفة، التركيز على الخدمات المتخصصة مثل الشحن المبرد للمنتجات الصيدلانية والزراعية لخلق ميزة تنافسية، تسريع التحول الرقمي عبر أنظمة تتبع ذكية وحلول لوجستية رقمية لرفع الكفاءة وخفض الكلف، الاستثمار في برامج تدريبية متقدمة لإعداد كوادر بشرية مؤهلة في مجالات الصيانة والهندسة وإدارة العمليات الجوية، تحفيز الاستثمارات الخاصة من خلال حوافز ضريبية وتمويلية موجهة للقطاع اللوجستي والطيران، وتعزيز التكامل الإقليمي عبر اتفاقيات لوجستية مع دول الجوار لزيادة تدفق البضائع وتوسيع شبكة الأسواق.
يمثل إطلاق مشروعَي الخدمات اللوجستية والشحن الجوي وتدريب الطيران وصيانة الطائرات أكثر من مجرد توسع في البنية التحتية لمطار الملكة علياء. إنه استثمار استراتيجي في مستقبل الاقتصاد الأردني، يفتح آفاقًا جديدة للنمو ويضع المملكة على خريطة المراكز الإقليمية المؤثرة في قطاع الطيران والخدمات اللوجستية. ومع الرؤية الواضحة والإدارة الفعالة، يمكن للأردن أن يحول موقعه الجغرافي إلى رافعة حقيقية للتنمية المستدامة.
الرأي