غزة تنزف.. وانقسام إسرائيلي يهدد بانفجار داخلي
كتب: محرر الشؤون السياسية
العقبة اليوم – تشهد غزة يومًا داميًا جديدًا مع استمرار الاستهداف المباشر لطالبي المساعدات الإنسانية، حيث أكدت مصادر في الإسعاف والطوارئ في غزة أن 20 فلسطينيًا استشهدوا وأصيب 150 آخرون بنيران جيش الاحتلال شمالي القطاع، في وقتٍ أشارت مصادر طبية في مستشفيات غزة إلى أن حصيلة الشهداء منذ فجر اليوم ارتفعت إلى 92 شهيدًا، بينهم 56 من طالبي المساعدات.
هذه الأرقام تعكس استمرار المأساة الإنسانية في ظل الحصار والقيود الإسرائيلية على إدخال المساعدات، إذ أكد عدنان أبو حسنة، المستشار الإعلامي للأونروا، أن إسرائيل تسمح بدخول 30 إلى 40 شاحنة يوميًا فقط ودون طرق آمنة، رغم وجود 6 آلاف شاحنة جاهزة للإدخال تكفي لإطعام سكان القطاع لثلاثة أشهر، مشددًا على الحاجة لإدخال 600 شاحنة يوميًا والسماح لموظفي الوكالة بإدارة نقاط المساعدات.
ميدانيًا، أعلنت كتائب القسام أنها قصفت تجمعًا لجنود وآليات الاحتلال شرق حي التفاح بمدينة غزة بعدد من قذائف الهاون، فيما كشف الناطق باسم القسام، عن استعداد الكتائب للتجاوب مع طلبات الصليب الأحمر لإدخال الطعام والدواء لأسرى الاحتلال، شرط فتح الممرات الإنسانية بشكل دائم ووقف الطلعات الجوية خلال عملية التسليم، مؤكدًا أن الأسرى لن يحصلوا على امتياز خاص في ظل سياسة التجويع المفروضة على الشعب الفلسطيني.
في السياق الإقليمي، تتصاعد لهجة التهديد والاصطفاف السياسي، فقد أعلن المتحدث العسكري باسم جماعة أنصار الله اليمنية تنفيذ 3 عمليات عسكرية استهدفت مواقع في يافا وعسقلان وميناء حيفا باستخدام مسيّرات.
وفي إيران، صادق المجلس الأعلى للأمن القومي على تأسيس مجلس الدفاع الوطني وفق المادة 176 من الدستور، مشيرًا إلى أن المجلس الجديد سيدرس الخطط الدفاعية ويعزز قدرات القوات المسلحة، ويرأسه رئيس الجمهورية ويضم قادة الجيش والوزراء ورؤساء السلطات.
كما أعلن الرئيس الإيراني من إسلام آباد أن فصلًا جديدًا في العلاقات بين طهران وباكستان قد بدأ، ما يعكس محاولة طهران حشد أوراقها الإقليمية وسط تصاعد الأزمة في غزة.
إسرائيليًا، تتعمق الانقسامات الداخلية على نحو غير مسبوق، فقد خرجت تصريحات صادمة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي قال: “لن ننكسر وأنا أكثر تصميمًا على استعادة الأسرى والقضاء على حماس”، في المقابل، تصاعد غضب عائلات الأسرى الذين تحدثوا لـ “صحيفة يسرائيل هيوم”، محذرين من أن الأسرى في خطر وأن صورهم المروعة تؤكد أنهم لن يصمدوا طويلًا في الجحيم، معتبرين أن الحديث عن تحريرهم بالحسم العسكري تضليل وخداع للرأي العام.
إلى جانب ذلك، تتزايد الأصوات الأمنية المحذرة من فشل الحرب، فقد اعتبر قائد البحرية السابق عامي أيالون أن الحرب بدأت عادلة لكنها الآن تهدد أمن إسرائيل، بينما صرّح رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق عاموس مالكا بأن عملية عربات غدعون لم تحقق شيئًا.
أما رئيس الشاباك السابق يورام كوهن فأكد أن إسرائيل دفعت أثمانًا كبيرة من قتلى وإصابات مقابل إنجازات محدودة للغاية، في حين وصف وزير الدفاع ورئيس الأركان السابق موشي يعلون بعض أعضاء الحكومة الحالية بأنهم “غيبيون يجرونها نحو اتجاه غير واقعي”، ودعا رئيس الموساد السابق داني ياتوم إلى وقف الحرب فورًا، بينما اتهم تامير باردو، رئيس الموساد السابق، الحكومة ببيع الأكاذيب للجمهور.
الشارع الإسرائيلي بدوره دخل على خط الاحتجاجات؛ فقد ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن متظاهرين أغلقوا شارعًا مركزيًا وسط تل أبيب ضمن الاحتجاجات ضد حكومة نتنياهو، ما أدى إلى صدامات مع الشرطة واعتقال عدد من المحتجين، في مشهد يعكس عمق الأزمة السياسية والمجتمعية.
دوليًا، شدد المستشار الألماني على أنه لا مفر من وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن، مع تأكيده أن حماس يجب ألا يكون لها أي دور في مستقبل غزة، في إشارة إلى الموقف الأوروبي الذي يجمع بين الدعوة لإنهاء القتال ورفض بقاء الحركة في المشهد السياسي المستقبلي للقطاع.
هكذا تبدو الأزمة متعددة الأبعاد: تصعيد دموي في غزة، مأساة إنسانية متفاقمة، ضغوط دولية لوقف النار، انقسامات إسرائيلية داخلية، وتصعيد إقليمي من إيران وأنصار الله، كل هذه التطورات تشير إلى أن مسار الحرب بات معقدًا أكثر من أي وقت مضى، وأن أي حل سياسي أو ميداني يبدو بعيد المنال في ظل تناقض أولويات الأطراف وانهيار الثقة بين جميع اللاعبين.