لا تزّغروا الأردن” بـ”كيس الطحين”

كتب: عبدالحافظ الهروط

262

تسابقت وسائل إعلام لتبث صرخة غزّي ” يعتل” كيساً من الطحين، مشيداً بالأردن، وهو يقدم لقطاع غزة مساعدات في شاحنات من هذه المادة المفقودة للأهل في القطاع.
هذه الوسائل التي تفتقر إلى فهم أبجديات الإعلام، إذ يبدو لها، وكأن الأردن يقدم المساعدة لأول مرة إلى شعب يواجه النار والجوع معاً.
الأردن تحمّل أعباء القضية الفلسطينية منذ احتلال الأرض عام ١٩٤٨، وكان له شرف السبق بأول شهيد اردني قبل أكثر من عقدين على النكبة، ونقصد هنا، البطل كايد المفلح العبيدات، رحمه الله.
من يقدّم الشهداء، لا يكبر بمساعدة، حتى لو كانت قوافل من ذهب، ولا ينتظر إشادة من شعب بأكمله، كشعب غزة المكلوم، فهذا الوطن، قدره أن يكون للأمة جمعاء، فانظروا إلى من يقيم على ارضه.
هذا الوطن قدّم من أجل فلسطين وشعبها ما لم تقدمه دولة عربية وإسلامية، وفوق هذا، نقول، دلّونا على بلد في العالم اقتسم مواطنه مع الشقيق الفلسطيني، رغيف الخبز والهوية، غير الأردن؟!.
نقول، أيضاً، لهذا الإعلام”الهشّك بشّك”، إن الأردن قدم وما يزال يقدم الطعام والشراب والدواء، والأطباء المنزرعين في غزة، ولا يحتاج إلى إعلام من هذا النوع المضحك، للدفاع عنه.
الأردن ليس في سجال مع القنوات التلفزيونية والإذاعية العابرة لفضاءات العالم، عربية كانت، أم أجنبية، ولن يقبل بمثل هذه البهرجات والمهرجانات للحصول على شهادة حسن سلوك في الإنسانية، بعد أن تعامى القريب والبعيد عن ترك “الشقيق في الجّب العربي”، دون أن تطّل عليه “السيّارة ” لتنشله، إلا من أردني يُلقي اليه الطحين والدواء، وما استطاع اليه سبيلاً!.
ما نطالب في الأردن، هو أن يكون لنا إعلام حقيقي يجعل الأردنيين في موقف قوة، لا موقف ضعف وشك، وعدم ثقة، كيف؟.
هذا يتطلب، تغيير السياسة الإعلامية القائمة على إعلام المسؤول وتجميله، وأنه الخبر والصورة وفيهما يحتل الصحيفة ويتفرّد بالشاشة والميكروفون والمايك.
إعلام كهذا، لن يعكس جوهر هذا الوطن ودوره وقدره في محيطه الإقليمي والدولي، ولأن إعلاماً مضاداً، وسياسات لا تريد أن ينهض بمقدراته، وتحارب طاقات ذاته.
نريد إعلام الدولة الذي فيه الخبر والصورة للمؤسسة ومن يشارك في لقاء أو ندوة أو حوار، برأي حر، وحرية تعبير منضبطة، فلماذا لا يكون، وما الخشية من هذا، إذا كان الإعلام للدولة، ونحن ندّعي المصلحة الوطنية والخوف على الوطن، في كل خبر وتصريح ندفع بهما إلى مختلف المؤسسات الإعلامية؟
إعلام يستطيع القائمون عليه، إقناع الناس، بما يتناولونه في كل شأن وقضية أردنية وعربية، ويطرحونه بمصداقية وشفافية، ليعيدوا الثقة وتكفين الإشاعة أياً كان مصدرها.
نعم، الأردن هو الذي يقيم فيه، من الجنسيات العربية وغير العربية، ثلاثة أضعاف سكان غزة، ويوفر لهم العيش والعمل والتعليم، كما تشكل هذه الجنسيات نصف المكون الأردني الأصيل، والجميع بأمن وسلام.
الأردن هو من تحمّل كل الوزر العربي وصراعات الأنظمة وتبعاتها، وظل وما يزال على موقفه، رغم سنين العسرة والعزلة، فلا تُصغّروه، بفسافس الإعلام، و”كيس الطحين”فيما القوافل تواصل سيرها، محملة بمختلف المساعدات، ومع ذلك، نقول،إننا تجاه غزة مقصّرون، وفي هذا الشعور، تكمن شهامة الأردنيين، دون غيرهم.

قد يعجبك ايضا