بين السائح والمزارع… الأردن يحصد النمو بالأرقام لا بالكلام
عمران السكران
بينما كانت كثير من الدول في الإقليم تنشغل بإطفاء حرائق السياسة أو تمرير أزمات الاقتصاد على رؤوس أصابعها، يبدو أن الأردن قرر ببساطة أن “يشمر عن ساعديه” ويشتغل، لا خطابات نارية، ولا طموحات فضائية، بل أرقام واقعية تعلن أن البلد، ورغم التحديات، يسير بخطى واثقة نحو الأمام.
خذ السياحة مثلا، ذلك القطاع الذي لطالما وصف بأنه يعاني، خرج هذا العام من دائرة التذمر إلى ميدان الفعل، خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، استقبل الأردن نحو 2.696 مليون زائر دولي، بزيادة تفوق 20% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ليس هذا فحسب، بل إن الإيرادات السياحية في أول أربعة أشهر من هذا العام بلغت 1.721 مليار دينار، مقارنة بـ1.493 مليار في نفس الفترة من 2024، أي بزيادة 15.3%.
وإذا كانت الأرقام لا تكذب، فإن قطاع السياحة هذا العام بدأ بالفعل يستعيد أنفاسه، بعد عام من الهدوء، فشهر نيسان وحده شهد دخول أكثر من 617 ألف زائر، بنسبة نمو تجاوزت 36% عن العام السابق، حتى أولئك الذين ظنوا أن السياحة الأردنية تحتاج لمعجزة كي تنهض، فوجئوا بأنها بدأت تتحرك بهدوء وفعالية… وبدون صراخ.
لكن المفاجأة الأكبر لم تأت من الفنادق، بل من الحقول، نعم، القطاع الزراعي، الذي اعتاد البعض على التعامل معه كقطاع تقليدي، قرر أن يغير قواعد اللعبة، ففي الربع الأول من عام 2025، قفزت معدلات النمو الزراعي إلى 8.1%، وهي نسبة لا تسمعها كثيرا في نشرات الاقتصاد العربي إلا إذا كنت تتحدث عن النفط أو مشاريع ضخمة ممولة من الخارج.
أن تنمو الزراعة بهذه الوتيرة يعني أننا بدأنا ننظر للأرض بجدية، لا كمجرد خلفية لصورة إنستغرامية عند حصاد القمح، وهذا مؤشر صحي لا يستهان به، لأن الأمن الغذائي والنمو الاقتصادي لا ينفصلان، بل يلتقيان تحت شجرة زيتون أردنية قديمة، يعاد اكتشاف قيمتها من جديد.
السؤال الآن: ما العمل؟ الجواب بسيط، لكنه يتطلب إرادة واضحة، يجب أولا أن تبسط إجراءات الاستثمار سواء في السياحة أو الزراعة، وقوانين مرنة وإجراءات إلكترونية وموظفين يقولون “نعم” أكثر من “راجعنا بعد أسبوع”.
كما أن تشجيع السياحة الداخلية لم يعد ترفا، بل ضرورة اقتصادية، فبدلا من انتظار السائح الأجنبي على أحر من الجمر، يمكن تحريك الاقتصاد بجيوب الأردنيين أنفسهم، تخفيضات مدروسة، حملات وطنية، وتجارب سياحية ميسرة يمكن أن تنعش القطاع دون الحاجة إلى موازنات ضخمة.
ومع كل ذلك، علينا أن نرفع القبعة للسياسات الحكومية التي استطاعت في ظل منطقة مضطربة أن تحافظ على استقرار مالي، وتحقق نموا اقتصاديا ملموسا في أكثر من قطاع، فعندما يرتفع عدد الزوار بنسبة 20%، وتزيد الإيرادات السياحية، وتنمو الزراعة بنسبة تفوق 8% في ربع واحد، فذلك لا يحدث ببركة الأمنيات، بل نتيجة تخطيط فعلي وإدارة حذرة.
الأردن اليوم لا يعد الناس بأوهام، بل يظهر نتائج، بين صعود السياحة وتقدم الزراعة، وبين تشجيع الاستثمار وحماية الاستقرار، ثمة ملامح واضحة لاقتصاد يعرف ما يريد، ويسير نحوه بثقة .. والمستقبل؟ لننتظره على مائدة أردنية تجمع المنسف والمنتج المحلي والسائح القادم من بعيد، وكلهم يساهمون بطريقتهم في تنمية وطن يستحق أكثر مما يقال عنه.