الاتفاق على طريقة ترامب.. بين الفرصة والمصيدة
الاتفاق على طريقة ترامب.. بين الفرصة والمصيدة
جميل النمري
لا تملك حماس رفض خطة ترامب بعد ان وافقت الدول العربية عليها. لكنها تستطيع التحفظ على بعض البنود وطلب بعض التعديلات كما فعل نتنياهو. وحسب الأخبار – رفض ترامب بعضها وقبل اخرى ظهرت في الورقة واثارت غضب القادة العرب الذين وافقوا على المقترح بصيغته الأولى التي لم تنشر ولا نستطيع مقارنتها مع الصيغة النهائية ومعرفة اين جرت التعديلات لكن يمكن ان نخمن ان من بينها القضايا الغامضة والمواربة المتعلقة بالانسحابات و بنزع سلاح حماس.
مناقشة وتحليل البنود العشرين تحتاج لمساحة واسعة ومزيد من المعلومات ولا ارى اي فائدة في مواقف السياسيين والمراقبين العرب التي تتباري في التحذير من المقترح كمؤامرة ينبغي التصدي لها. فحال اهل غزة والوضع الفلسطيني عموما ووضع حماس نفسه لا يحتمل ذلك. ولذلك يتسم الردّ الفلسطيني بالحذر والتمهل وتشترك حماس مع الفصائل الفلسطينية في مناقشة المقترح والتنسيق مع الأطراف العربية للتوافق على بعض المطالب والتوضيحات التي تقترن بالموافقة على المقترح.
ولنبدأ من البنود الايجابية ذات القيمة الاستراتيجية لمستقبل النضال الفلسطيني: اول واهم ما في الاتفاقية انها اسقطت كليا موضوع التهجير بل اكدت ببنود واضحة لا لبس فيها على أن 1- لن يجبر احد المغادرة 2 – سيشجع السكان على البقاء لبناء غزة افضل 3 – حرية المغادرة والعودة لمن يرغب. والامر الثاني المهم هو التأكيد على ان «اسرائيل لن تحتل غزة او تضمها». وهذا البندان وحدهما ينسفان اساس مشروع اليمين الاسرائيلي الفاشي بتقتيل وتبديد وتهجير الشعب الفلسطيني واعادة احتلال القطاع واستيطانه وحتى لو تم وضع القطاع تحت سلطة انتداب «مجلس السلام » الذي يرأسه ترامب ونائبه بلير فهو انتداب لن يدوم لكنه ينجي القطاع واهله من البطش الصهيوني ويكون مسؤولا عن حماية السكان وتوفير سبل العيش لهم تحت رقابة وسائل الاعلام والرأي العام ودول العالم التي التزمت بدولة فلسطينية ويشير الاتفاق نفسه ان الأفق السياسي للقطاع وعموم الفلسطينيين هو توفير مسار موثوق نحو تقرير المصير واقامة الدولة.
كيف يوافق نتنياهو على خطة تتضمن البنود اعلاه؟ يوافق بجعل البنود الأولى قاطعة واضحة للتنفيذ الفوري واولها استعادة جميع الأسرى والجثامين دفعة واحدة ثم اللعب على التزامات اسرائيل بالعبارات الفضفاضة والمشروطة والمفتوحة على احتمالات التعثر واختلاف التفسير. وكانت التوقعات ان نتنياهو سيناور امام ترامب ويفلت كالعادة من اي التزام لكن حسب الاخبار تحوط ترامب بمكالمات شديده اللهجة سبقت اللقاء لم تترك لنتنياهو سوى احد جوابين القبول او الرفض. ولا مجال لصيغة » نعم ولكن». وعليه اختار نتنياهو بعد ادخال بعض التعديلات ان يظهرعلى الاعلام وامام الاسرائيليين وشركائه من اليمين المتطرف كفائز صنع الاتفاق الذي يريد ويحقيق النصر الكامل.
النصر الكامل لم يحدث ابدا وحرب الابادة لم تعد بالأسرى ولذلك نرجح ان نتنياهو هو من طلب ادخال ذلك البند الاستفزازي الكاذب الذي يقول » يمنح عناصر حماس الذين يلتزمون بالتعايش السلمي والتخلي عن السلاح عفوا اما من يرغب بمغادرة غزة فسيوفر له ممرا آمنا الى الدول المستقبلة» هذا النص اقحام لا سياق له ويريد الايحاء بمشهد عناصر حماس يخرجون برايات بيضاء يسلمون سلاحهم للقوات الاسرائيلية ويتم العفو عنهم ويتم منحهم اذنا بالمغادرة الى المنافي. طبعا ليس هناك في النص أي تلميح للاستسلام ولا جهة مخولة بنزع سلاح حماس ولا جهة يسلم لها عناصر حماس سلاحهم أو ما يعتبر اعضاء حماس ملاحقين يحتاجون لعفو بل حديث عن غزة بدون سلاح يهدد اسرائيل. هناك بالطبع ثمن ستدفعه حماس وهو ان تكون خارج السلطة والتخلي عن السلاح والبقاء كفصيل سياسي. وليس واضحا كيف يتم ذلك. هل تسلم حماس السلاح للسلطة الفلسطينية وشرطتها ام للقوات العربية التي ستدخل كقوات أمن في المدن وعلى خطوط الفصل مع قوات الاحتلال أم يبقي السلاح ببساطة في البيوت والمخازن وتختفي اي مظاهر مسلحة لحماس وبقية الفصائل. وقد تكون هذه من التفاصيل التي ستبحث لاحقا، لكن لوطبق الاتفاق فعلا فالسلاح لم يعد له وظيفة لمرحلة طويلة قادمة.
المرحلة القادمة هي مرحلة نضال سياسي مرير ليس فقط من اجل الاهداف السياسية التي اجمع عليها العالم بفضل المقاومة والتضحيات الهائلة لأهل غزة وعموم الشعب الفلسطيني. بل ايضا للمحاسبة على الجرائم المرعبة المنظورة امام المحكمة الدولية ويمكن ان تنظر بها محاكم في كثير من الدول وملاحقة مجرمي الحرب وهي مهمة مقدسة وفاء لدم عشرات آلاف الشهداء وبينهم الأطفال والنساء والصحفيون والأطباء والمسعفون وغيرهم.
الاتفاق ليس اتفاق استسلام بل اتفاق انقاذ غزة من استمرار حرب الابادة والتجويع والتهجير التي لم يقدرالعرب على منعها ولا وقفها حتى الآن. وهو ثمرة موازين القوى كما هي في الايام الاخيرة بين القوة والحق بين العدوان المجرم المنفلت من كل قيد والصمود الفلسطيني مسنودا بالهبّة العالمية العظيمة لنصرة غزة والاعتراف الدولي الكاسح بحق فلسطين في دولة مستقلة كرد مسبق على اعمال الابادة والتدمير. وهو ما يمكن الاستثمار فيه بعد وقف الحرب وفشل مشروع التهجير والتفريغ.
ما زال ممكنا بضغط عربي قوي توضيح وتصحيح بعض البنود التي تهدد الاتفاق. وخصوصا جدولة زمنية واضحة للانسحاب الاسرائيلي الكامل وضمانات بعدم العودة للحرب او استهداف حماس. يجب الحصول على ضمانة مطلقة ان الاتفاق لن يكون خدعة تبدأ بحصول اسرائيل على جميع الاسرى والجثامين ثم يبقى كل شيء في مهب الريح ومفتوحا لتنفيذ الأجندات العنصرية الاجرامية لنتنياهو وزمرة النازيين من حوله.
الاتفاق يحمل نكهة ترامب وطريقته ورؤيته التجارية القديمة للحلول الى جانب هوسه وان يظهر بطلا منفردا في القدرة على فرض السلام وصنع الازدهار بعيدا عن اي اهتمام سياسي أو فهم للتاريخ والثقافة وقضايا الشعوب والأوطان لكن طريقته بالاهتمام قد تكون المدخل الممكن في هذه المرحلة لوقف العدوانية الفاشية الصهيونية وتثبيت الشعب الفلسطيني في وطنه والتأسيس لوضع يصبح فيه الحل السياسي النهائي واجبا ولا بديل عنه. الرأي