«إسرائيل» بين «اسبارطة» نتنياهو و«أثينا» بن غوريون!

رجـــا طـلـب

52

أعتقد وبعيدًا عن التشويه والدعاية السياسية السوداء أن نتنياهو، الذي يطمح باستعادة لقب «ملك إسرائيل»، وهو اللقب الذي منحه إياه عدد من الكتاب والسياسيين في دولة الاحتلال قبل عقد من الزمان، بات منذ بدء الحرب على غزة يحمل لقبا آخر، ألا وهو «إمبراطور الكذب». ففي دولة الاحتلال لم يعد يصدقه إلا جمهور اليمين المتطرف الجاهل، فيما تقف النخب من كل القطاعات مصدومة من «الانحدار القيمي» الذي وصلت إليه إسرائيل بسببه، وتحولها من «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» و«دولة الجيش الأكثر أخلاقية في العالم» إلى دولة متهمة بالإبادة الجماعية يحكمها مجموعة من المتطرفين وعلى رأسهم رجل تلاحقه محكمة العدل العليا والمحكمة الجنائية الدولية، وحولت تلك «الديمقراطية» المفترضة إلى «دولة الرجل الواحد» التي هي أسوأ من بعض الدول الشمولية الموجودة في الشرق الأوسط.

في خطابه قبل أيام باللغة العبرية دعا نتنياهو المجتمع في إسرائيل إلى التحول إلى «إسبارطة العظمى»، وهو الخطاب الذي فجر موجة كبيرة من الغضب في أوساط النخب الاقتصادية والسياسية والفكرية داخل دولة الاحتلال، والتي اتهمت نتنياهو بأنه يريد تحويل إسرائيل إلى دولة معزولة.

أراد نتنياهو بخطاب «إسبارطة»، وهو الناجح في صياغة الخطب المضللة وتزييف الحقائق وتوظيفها توظيفًا يخدم أهدافه وأهداف سارة وأولاده قبل أي شيء آخر، توظيف هذه الدعوة لتحقيق عدد من الأهداف، على الرغم من أن هذه الدعوة تشكل اعترافًا صريحًا بالعزلة السياسية وبتحول إسرائيل إلى دولة منبوذة رغم تفوقها العسكري. أما أهدافه فهي:

أولًا: إعادة ترسيخ فكرة أن إسرائيل دولة محاطة بالأعداء الذين يريدون تدميرها، وأن مواجهة ذلك لا تكون إلا بالاستعداد الدائم للحرب، وأن يكون المجتمع جاهزًا على مدار العام للقتال. والمفارقة أن هذه الدعوة تأتي بعد وعوده المتكررة لمجتمعه بالسلام والاستقرار بعد توقيع اتفاقيات «إبراهيم» في 11 أغسطس 2020.

ثانيًا: أراد من هذا التشبيه تبرير عدوانيته ضد محيطه الجيوسياسي من غزة والضفة مرورا بلبنان وسوريا وإيران وصولًا إلى اليمن وقطر وغدًا تركيا.

ثالثًا: محاولة «استجداء» التعاطف الشعبي والرسمي الأوروبي الذي خفت بشكل كبير بعد الحرب على غزة حيث بات الأوروبيون ينظرون إلى إسرائيل كدولة إبادة. ونتنياهو يحاول إنتاج «صورة جديدة غبية ومتناقضة لإسرائيل»: فتشبيهه إسرائيل من جهة بإسبارطة  وهي دولة مكرسة للحرب لا تعرف السلام ولا تؤمن به،  وفي ذات الوقت أنها دولة تريد السلام، تناقض مضحك، فإسبارطة لم تستجد روما ولا فارس ولا الآشوريين ولا الفراعنة كما يفعل نتنياهو باستجداء أوروبا.

رابعًا: واحد من الأهداف المهمة هو «لفت الانتباه» عن أزماته الداخلية الكثيرة والمستمرة، وتضليل المجتمع وتصوير إسرائيل على أنها في خطر وجودي، وهو أمر فشل فيه بل وزاد من حالة الانقسام الداخلي التي بدأت منذ توليه رئاسة الحكومة الإسرائيلية الأخيرة في ديسمبر 2022.

خامسًا: وهذا هو الهدف «الذهبي»؛ إعادة إنتاج فكرة «دولة القلعة» في الفكر الصهيوني والتلمودي، وهنا أقصد (قلعة ماسادا)، وهي آخر قلعة يهودية سقطت في أيدي الرومان أثناء التمرد اليهودي الأول ضد الإمبراطورية الرومانية، فلسان حاله يقول على كل إسرائيلي أن يدعم حروبي.

سادسًا: رسالة مباشرة لكل الإقليم، وبعد العدوان على قطر، أن إسرائيل مستعدة للعيش في حالة حرب دائمة، وأنها قوية وقادرة على مواجهة أي دولة تشكل خطرًا عليها. وأقصد الخطر المفترض من وجهة نظر نتنياهو الذي بات يتبع نظرية «صناعة الأعداء»؛ حتى الدولة التي لا تعادي إسرائيل يعمل على تحويلها في ظل اختناقه بأزماته المركبة الداخلية والخارجية إلى دولة معادية.

ملاحظة: لم ينتبه لها الكثيرون أن إسبارطة كانت تحكم قومًا يسمون (الهيليوت)، وهؤلاء هم سكان الأرض الأصليون الذين تحولوا إلى عبيد وخدم في مدينة إسبارطة، وهذه رمزية أراد منها نتنياهو أن يقول للفلسطينيين: «أنتم عبيدنا».

قد يعجبك ايضا