الحكومة ومحاكاة الصورة الإعلامية

علي السنيد

46

لا يستطيع رئيس الوزراء أن يراقب كل قرارات الدولة بنفسه، وبشكل يومي، ولن يسعه الوقت للكشف على كل المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية، ودوائر الوزارات، والسجون، والمراكز الأمنية، والمراكز الحدودية، والمطارات، والمجمّعات، والطرق، والعطاءات، والمشاريع الحكومية، وغير ذلك.

وإن أسعفه جانب من الوقت في زيارة مدرسة، وأصدر أمره بطلاء حائط فيها فهنالك آلاف المدارس لن يراها، وإن زار موقعًا حكوميًا أو عدة مواقع وعالج خللاً ما فهنالك الآلاف منها لن يتمكن من رؤيتها، وكل يوم شأن جديد، ولن يستطيع الرئيس أن يتواجد في كل المؤسسات العامة في الدولة ليتأكد بنفسه من سير العمل فيها.

وهو لا يحتاج عمليًا إلى إعادة اكتشاف الأردن، ومعرفة أوجه القصور في الإدارة العامة التي باتت معروفة للجميع، وتحتاج إلى إعمال الفكر والإبداع في وضع الحلول الناجزة لها، ووقف الخلل المتواصل.

والدولة الأردنية تشهد يوميًا مراجعة أعداد غفيرة من الأردنيين لمؤسساتها الخدمية العامة في كل أنحاء المملكة، وهنالك مئات الآلاف من الموظفين الذين يتوزعون على الوزارات والدوائر ليقوموا بتسيير أعمالها.

وتستطيع أن ترصد حركة الزحف البشري اليومي في كافة مستشفيات المملكة، وبخاصة في المدينة الطبية، ومستشفى البشير، وقد نأت بهما المسؤولية الوطنية.

وفي وزارة التربية والتعليم، والمديريات التابعة لها، تصطف آلاف السيارات على مدار الساعة، ويحيط بها السيل البشري من كل الاتجاهات.

ولا يخفى أن وزارة العمل ومديرياتها تشهد حضور الآلاف من المراجعين، وكذلك دائرة الأراضي، وفي مديريات السير في المملكة.

ويمر المزارعون بوزارة الزراعة، ومؤسسة الإقراض الزراعي بالمئات، وهنالك مبانٍ تمتلئ بالكامل، وتكتظ بالمراجعين يوميًا.

ولعل مؤسسة المتقاعدين العسكريين دليل صارخ على ذلك، وحيث إن الأردنيين يحملون مطالبهم اليومية، ويبحثون عن بارقة أمل.

وحركة المراجعين في كل دائرة ومؤسسة حكومية لا تتوقف، وكل أردني يحمل معاملته، ويلاحقها من مكتب لآخر.

وتترامى أحلام الأردنيين على بواباتها ومكاتبها، ولن يستطيع رئيس الوزراء مهما حاول أن يتفقد كل معاملة، ويلتقي بكل أردني يحمل معاناته معه إلى حضن الدولة.

ولا شك أن عددًا غير محدود من القرارات والإجراءات والتواقيع على المعاملات اليومية يتم، ويتدخل النواب وكافة أعضاء الطبقة السياسية لمتابعة القضايا العالقة، وكي تأخذ دورها في الإجراءات الرسمية.

وبذلك تكون جولات الرئيس بروتوكولية، وتكمن أهميتها في إيصال رسالة مفادها أن الحكومة مهتمة بتطوير مستوى الخدمات العامة المقدمة للمواطنين.

أما ما هو مطلوب عمليًا فإن تُدار الدولة برؤية وتصور عام لكافة مرافقها، وبما يراعي إحقاق الحق، وإقامة العدل، والمساواة، وحفظ الحقوق، والتحديث المستمر، وملاحقة التطورات التي تجري في العالم اليوم.

والأهم من كل ذلك هو تحقيق متطلبات الإصلاح الإداري، وترك الكفاءات تأخذ دورها في التطوير والإنجاز، وللارتقاء بالأداء العام، والذي يقتضي اعتماد القيادات المشهود لها بالنزاهة والاقتدار لكي تقود أعمال هذه المؤسسات.

ويمكن للدولة أن تتطور من خلال عقول أبنائها وإبداعاتهم.

وعلينا أن نوقف لعبة تدوير النخب على حساب الكفاءة، وتولية من تدفع بهم الواسطات إلى مقدمة العمل العام.

وهو ما يشي ببقاء أوجه القصور قائمة في الإدارات، وتبقى الحالة العامة تتردى، والأجيال لا تجد لها طريقًا للمستقبل.

ولأن الواقع لا يتغير ما دام أن الآليات القديمة في الإدارة ما تزال متبعة، ويتم الانشغال بأعراض المرض الإداري عن ضرورة إصلاحه.

ولكي تصل الحقوق العامة للمواطنين بشكل انسيابي يجب أن نوفر نظام عدالة متكامل يبدأ من تحفيز الموظف العمومي، وتأهيله، وإعطائه حقوقه في الرتب والراتب، وفي المكافآت ووفق حجم العطاء، ومحاسبة المقصرين.

وعندما تصلح الإدارات، ويتوقف الظلم الإداري، ويصار إلى تغليب المصلحة العامة على المصالح الفردية الضيقة، عند ذلك نقيم نظامًا إداريًا عادلًا يقدم الخدمات الفضلى لكافة مراجعي مؤسسات الدولة.

قد يعجبك ايضا