الأردن: حين ينكشف الظهر لا يسنده إلا الشعب

راكان السعايدة

148

أثق بجيشنا وأجهزتنا الأمنية، هذا ليس محل نقاش أو جدال، وليس سؤالًا حائرًا يبحث عن إجابة، فالبراهين على القدرة والكفاءة مثبتة في المسار التاريخي للأردن منذ التأسيس.
هذا أولًا.. وثانيًا، تعرف الدولة الأردنية عدوها والمتربص بها جيدًا، تعرفه عن ظهر قلب، وتعرف نواياه ومشاريعه ومخططاته تجاهها، وأظنها تتحسب له، أو هكذا يُفترض.
ما مناسبة هذا القول؟
القول أعلاه يؤسس لما سيأتي ذكره في سياق تطورات الإقليم، وفي سياق انفلات الكيان الصهيوني من عقاله، واستثماره الظروف الراهنة لتفكيك المنطقة وإعادة تركيبها بما يخدم مصالحه وإنفاذ مشروعه التوسعي.
هو يريد شرق أوسط جديدًا، يصبح فيه القوة الإقليمية المهيمنة الوحيدة، بما يتطلبه ذلك من إضعاف الكيانات العربية وتهشيمها بحيث لا تقوى على مجابهته أو معارضة سياساته.
وبذلك يعيد الكيان الصهيوني إنتاج دوره في المنطقة كقلعة أو حاملة طائرات أميركية – غربية، بعدما تهشمت صورته وتآكل ردعه على يد المقاومة في قطاع غزة.
لذلك هو منفلت من عقاله، منفلت لأنه يدرك، بل ويصرح بهذا الإدراك، أن وجوده مهدد، وأن بذرة الفناء التي زرعتها المقاومة في قلبه حقيقة ماثلة. وإذا ما تتبعنا ما يقوله سياسيون ومفكرون صهاينة عن المخاطر الوجودية لكيانهم والمأزق الذي يمر به، سندرك أن هذا الوجود مهدد فعلًا.
ولأن أميركا والغرب لن يقبلوا بفناء هذا الكيان، ولن يقبلوا إنتاج قلعة وحاملة طائرات غيره، فهم يمدّونه بأسباب البقاء، بل ويعملون على إنقاذه من يمينه المتطرف الحاكم نفسه الذي يرونه يأخذ به إلى الهاوية.
وماذا بشأن الأردن؟
أظن أن مسألتين مهمتين لا بد وأن الأردن يضعهما في حسبانه، ويجب أن يضعهما في حسابه، وهما:
أولًا: قراءة اختراقات الكيان الصهيوني لإيران، ومن قبل لحزب الله، هذه اختراقات اشتغل عليها الكيان منذ سنوات طويلة، وجعلها كامنة وساكنة، وقام بتفعيلها كضربة استباقية مكنته من الهيمنة، ولو نسبيًا في المواجهة مع إيران والحزب.
مثل هذه القراءة لها أهميتها وقيمتها في فهم طريقة تفكير الكيان وأسلوب عمله، وقدرته على العمل بتخفٍ لاختراق كل دول المنطقة، وتفعيل هذه الاختراقات عند الحاجة لتحقيق التفوق والسيطرة.
إيران وحزب الله يمكن القياس عليهما، تمامًا كما يمكن القياس، في المقابل، على عجز الكيان عن اختراق المقاومة في قطاع غزة وفي اليمن أيضًا.
بمعنى أن قدرات الكيان على اختراق الدول والكيانات ليست قدرًا محتومًا لا راد له، بل إفشال مساعيه ممكن، بما يتطلبه ذلك من تقييمات ومراجعات وفحص شامل لواقع الدولة، للتأكد من تفويت فرص الاختراق وعدم توفر البيئات والظروف التي يمكنه أن ينشط بها لتحقيق أهدافه.
ثانيًا: ما يضعه الأردن في حسبانه، أيضًا، مخططات الكيان لضم الضفة الغربية أو أجزاء كبرى منها، وعلى رأسها المنطقة (ج) التي تشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية، وكذلك المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
أميركا تدعم “إسرائيل” في هذا الاتجاه، وتريد للكيان أن يتوسع في سياق مشروع “إسرائيل الكبرى”، وهذا التوسع من شأنه أن يشكل تهديدًا خطيرًا للأردن، أيًا كان شكل هذا التوسع ومساره، الذي يكاد ينحصر في سياق من سياقين:
أولًا: تهجير أبناء الضفة الغربية، وهذا سيكون باتجاه الأردن، وأبناء قطاع غزة باتجاه مصر وأي دول تقبل استيعاب لاجئين من فلسطين. وفي الأردن نعلم جميعًا معاني هذه الخطوة التي، إن تمت – لا قدر الله – ستتبعها أميركا بتدخلات في الشأن الأردني لتصميمه وفق المعطيات الجديدة.
ثانيًا: التهجير من أغلب مناطق الضفة، وترك عدة مدن للفلسطينيين هناك، وإلحاقها بصيغة ما بالأردن. وهذا يعني أن الأردن سيتحمل عبء من لجأ إليه، بما يفرضه ذلك من تغييرات في بنية الدولة، ومن جهة أخرى سيُطلب منه دور أمني في المدن الفلسطينية في الضفة.
لهذين السياقين، وأي سياق آخر قد يتم إبداعه، مخاطر على الأردن، ومخاطر كبيرة، فكيف إذا أضيف إلى ذلك إنفاذ الكيان لـ”ممر داود” الذي يمتد من غور الأردن إلى كردستان العراق، وربما أبعد..
بالنتيجة: المخاطر جدية، و”إسرائيل” عدو لا حليف، ولن يكون هذا الكيان حليفًا حقيقيًا بأي صيغة وفي أي يوم.
نعم، إفشال المخططات الإسرائيلية يبدأ من الضفة الغربية وقطاع غزة، بتمكين الشعب الفلسطيني من الصمود على أرضه، وبكل الطرق، العلنية والسرية.
وعلى الدولة الأردنية أن تدرك أن شعبها وحده هو الذي يحميها، مهما كانت المؤامرات وأطرافها. فعندما ينكشف ظهرك من العرب والغرب، شدّ ظهرك بشعبك.

قد يعجبك ايضا