حرب الماء والغاز ضد الأردن
أحمد الحسبان
مع أن المسألة ما تزال ضمن إطار التلويح أحيانا، والتحريض أحيانا أخرى، لكنها ليست مستبعدة قياسا بممارسات حكومة تل أبيب المسعورة، التي تجاوزت حدود المنطق في كل ممارساتها، وتخطت في حربها القذرة قطاع غزة إلى الضفة الغربية، وانتهكت سيادة العديد من الدول العربية، وقفزت فوق القانون الدولي والإنساني، لا تفرق بين صديق وغيره في عدوانها ولا تتوقف عند حدود معاهدة سلام. وسمحت لمتطرفيها بإطلاق العنان لأفكارهم وطروحاتهم التلمودية، محاولة تحويلها إلى مخططات لا يقبلها عقل ولا يقرها منطق، تحتمي بدعم أميركي مطلق.
اللافت هنا، أن إدارة الرئيس الأميركي ترامب، طورت من موقفها تجاه إسرائيل، حالة سباق تتخطى في الكثير من حالاتها كل ما هو منطقي، بدفع متطرفي تل أبيب إلى التفكير بإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط والسيطرة على كافة دول المنطقة.
وفيما يخص حرب المياه، والغاز، فقد تعالت مؤخرا أصوات إسرائيلية متطرفة تطالب بمعاقبة الأردن على مواقفه الناقدة للكيان وممارساته، حيث تدعو إلى قطع الماء والغاز عنه.
ومع أن الدعوة لقطع المياه عن الأردن ليست جديدة، وتعود إلى سنوات خلت، حيث أطلق وزير الزراعة في دولة الاحتلال آنذاك عملية التلويح بوقف ضخ حصة المملكة من المياه التي نصت عليها اتفاقية السلام احتجاجا على استرداد الأردن لمنطقتي الباقورة والغمر، ورفض تمديد اتفاقية تأجيرها لإسرائيل. في تلك الأثناء، طالب الوزير بوقف تزويد الأردن بحصته المائية التي نصت عليها معاهدة السلام بين البلدين،والتي تصل الى خمسين مليون متر مكعب، تمت زيادتها في اتفاق لاحق بواقع خمسين مليون مقابل الثمن.
مؤخرا كرر مسؤولون إسرائيليون الدعوة إلى قطع المياه والغاز عن الأردن، كنوع من الحرب ضد المملكة، كرد على موقفها الرافض لممارسات حكومة التطرف في قطاع غزة والضفة الغربية والتي امتدت لتشمل المدنيين في كل من سورية واليمن ولبنان وإيران. ورفضها وقف الحرب البشعة، واعتماد سياسة التجويع ضد سكان القطاع. ما يعني أنها مستعدة لاستخدام ما لديها من أوراق أنتجتها معاهدة السلام» اتفاقية وادي عربة».
حكومة نتنياهو المتطرفة التي تتجاوب مع مثل تلك الدعوات، والتي قد تستخدمها في أي لحظة، وبخاصة بعد أن واجهت صلابة الموقف الأردني، وحدة الهجوم السياسي والدبلوماسي ضدها في كافة المحافل الدولية. والرفض المطلق وعملية التحشيد الأممي ضد العنصرية الإسرائيلية الساعية إلى تهجير الفلسطينيين من أراضيهم في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، ومحاولة استهداف الأمن الأردني بمثل تلك الممارسات المرفوضة.
حكومة التطرف في تل أبيب تبدو والحالة تلك وكأنها تلوح بإنهاء معاهدة السلام مع الأردن، فالتخلي عن اتفاقية المياه الملحقة بمعاهدة وادي عربة يمكن تفسيرها بأنها تخل عن المعاهدة. وهي بذلك تعطي الضوء الأخضر للجانب الأردني بالتخلي عن تلك المعاهدة التي تحولت إلى عبء على الدولة الأردنية في الكثير من عناصرها، وبخاصة ما يتعلق بالضغط الشعبي الذي لا يرى في السلام مع إسرائيل ما يفيد الأردن، والذي ينتقد اتفاقية الغاز وأي اتفاقات أخرى أو تعاون بين المحتل. ويرى أن استيراد الغاز من إسرائيل يسهم في دعم اقتصادها. وترد الحكومة بأن وقف الاتفاقية من جانب الأردن يلزمها بغرامة تصل قيمتها إلى مليار دولار. ووقفها من جانب إسرائيل يكلفها نصف مليار دولار كتعويض للجانب الأردني.
وفي كلتا الحالتين فإن الجانب الأردني سيتكبد خسائر كبيرة، حيث سيكون مضطرا للتحول إلى توليد الكهرباء من مادة السولار، المكلف والذي يزيد فاتورة المحروقات بأكثر من مليار دولار كفارق في السعر بين الغاز والسولار الأمر اذي يفاقم مديونية شركة الكهرباء الوطنية التي اقتربت من» 10 مليارات دولار». لكنه يستجيب لمطالب الشارع الذي يرى أن على الحكومة ألا تبقي قطاع الطاقة الكهربائية تحت رحمة الكيان الصهيوني الغاصب وأن تبحث مبكرا في أي حلول ممكنة، لتكون جاهزة عند الحاجة.
في المقابل، ارتفعت وتيرة المطالبات الشعبية بحل مشكلة النقص في مياه الشرب، وتعزيز المصادر المائية التي تعاني من الشح، والتي بلغت حد جفاف 13 سدا من أصل 14 هي عدد سدود المملكة. والتي تدنت سعتها إلى النصف تقريبا بسبب تراكم الطمي فيها، وتحتاج إلى عمليات تنظيف معقدة ومكلفة. وتعاني أيضا من شح المواسم المطرية.
والحل ـ كما يراه الشارع الأردني ـ الإسراع في تنفيذ مشروع الناقل الوطني الذي يتكون من محطات تحلية مياه البحر في العقبة، والخط الناقل من أقصى الجنوب إلى أقصى شمال المملكة. وهو المشروع الذي تأخر كثيرا بسبب تحفظات واعتراضات إسرائيلية سابقة بحجة تأثيرات بيئية محتملة، قبل أن يتم الاتفاق على تنفيذه كمشروع أردني بالكامل بدلا من مشروع ناقل البحرين الذي رفضته تل أبيب والذي يربط بين البحرين الأحمر والميت.
فقد شارفت الدراسات على الانتهاء واستكملت عملية تأهيل الشركات واتفاقات التمويل، والذي يحتاج إلى سنوات لتنفيذه وسط مخاوف غير رسمية من أن تمتد حرب تل أبيب ضد الأردن إلى ذلك المشروع بهدف تعطيله. ما يعني تفاقما جديدا في ازمة المياه على أرضية ملفات ما تزال عالقة مع الجانب السوري. الغد